جعل الملوح بن مزاحم يبحث طويلاً بين الحجاج عن ابنه (قيس)، إلى أن ساق القدر إليه حادياً قادماً من ناحية نجد مع قافلة من الحجاج، فأخبره الحادي أنه رأى في طريقه شاباً ناحلاً أشعث الشعر ممزق الملابس يضرب في البادية على غير هدى، ولما اقترب منه وناداه فر هارباً واختفى في دغل قريب راح يراقب من خلال أشواكه الحادي وما عسى أن يصنع وعرف الحادي المجنون وأراد أن يجتذبه إليه كي يستنشده بعض أشعاره فرفع صوته يغني أنشودة للمجنون يقول فيها:
منى النفسِ ليلى قرّبي فاك من فمي ... كما لفَّ منقاْريهما غَرِدان
نَذُق قُبلةً لا يعرف البؤس بعدها ... ولا السُّقْمَ رٌوحانا ولا الجسدان
فكل نعيم في الحياة وغبطة ... على شفتينا حين تلتقيان
ويخفُقُ صدرانا خفوقاً كأنما ... مع القلب قلب في الجوانح ثان
واطمأن المجنون إلى الحادي حين سمعه يتغنى بذكر ليلى، فثاب إليه رشده، وأقبل من خلف الدغل نحو القافلة يسأل الحجاج:
أحجاج بيت الله في أي هودج ... وفي أي خدر من خدوركم قلبي
أأبقى أسير الحب في أرض غربة ... وحاديكم يحد وبقلبي في الركب
ولما رآه الحادي مال إليه فجلس إلى جانبه يحدثه في ليلى ويقص عليه ما سمعه من أخبارها، والمجنون ينصت في شغف وشوق، وقد هاج هذا الحديث في نفسه ذكريات الصبا، فصار يقاطعه بين حين وآخر لينشد ما يخطر له من أناشيد حب قالها في حبيبته ليلى. إلى أن أقسم عليه الحادي أن ينشده أحسن ما قاله في وصف المحاجر والأطراف والبشرة والجلد. فقال:
ليالي أصبو بالعشي وبالضحى ... إلى خُرَّد ليست بسودولاً عصل