للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من مذكراتي في أمس القريب:]

حول إنعام. . .

للأستاذ فؤاد صروف

في ٢٦ أبريل ١٩٤٥:

شرف الملك أمس حفلة افتتاح معمل المصل الجديد، وأنعم على الدكتور شوشه بريبة باشا. فنعم المنعم ونعم المنَعم عليه. . .

وقد كنت منذ سنوات في مجلس أديب كبير، فدار الحديث على الرتب والأوسمة. وكان أغلب الرأي بين المتحدثين أن تلغى الرتب كما فعلت العراق وسوريا ولبنان، ولكن الكبير قال: إذا ألغيناها فكيف نستطيع أن نميز الرجل الذي يستحق التقدير والتميز لما يتفوق فيه على الأقران من علم أو أدب أو فضل؟ وكانت الكلمات الأخيرة في السؤال لا تزال تضطرب على شفتي السائل، حين دخلت المجلس سيدة ذكية حصيفة، فوجه السؤال إليها، فقالت دون أن تتردد لحظة واحدة: حسبه تقدير النخبة من المثقفين. فكان قولها فصل الخطاب.

والدكتور شوشه، ظفر أمس بعد إنعام الملك السامي، بالحسنيين: تقدير الملك المتمثل في رتبة عالية، وتقدير النخبة من المثقفين، الذين عرفوه فأنزلوه من تقديرهم في المنزلة العالية.

وحين قرأت ذكر الدكتور علي توفيق شوشه أمس، تزاحمت الخواطر على ذهني، فقد عرفته أول ما عرفته، حين كان وكيلا لمعامل الصحة فمديرا لها. فكان يومئذ مكباً على البحث العلمي الأصيل، مستغرقاً فيه دون أن ينصرف عن شئون الإدارة. ولم يكن بحثه بحثاً في فراغ - على ما يقول علماء الطبيعة، بل كان بحثاً في مشكلة معينة، لها صلة بالإنسانية التي تتعذب، وبالإنسانية المصرية على وجه خاص. فقد كان همه أن يكشف سبيلا لمكافحة سم العقرب الذي يكثر المصابون به في مصر. وقد فعل.

ثم عرفته محاضراً مجيداً بالإنجليزية والعربية، وقد قيل لي إنه أحسن محاضر بالألمانية، ولكن لا أعرفها. وعرفته زميلا محترم في المجتمع المصري للثقافة العلمية، وكنت سكرتير

<<  <  ج:
ص:  >  >>