للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ذات المنظار الأسود]

للأستاذ علي الجندي

أقبلت على موقف الترام تتخايل في ملابس الخريف كأنها طاووس!! وقد لاثت على رأسها عمامة رقيقة من لون معرضها زادتها فتنة!! وحجبت عينيها النجلاوين بمنظار أسود براق تختلج من تحته أهدابها الوطف فتمس وجنتيها!! فلما رأت العيون تكاد تلتهمها، ساورتها عزة الحسن وكبرياء الملاحة، فنصت جيدها وطمحت ببصرها إلى السماء كأنها تستشف الغيوب! فقال أحد الظرفاء هامساً:

مَا لِمَنْ تَمّتْ محاسنُه ... أَنْ يعادي لحظَ من نظَرا

لكِ أن تُبدِي لنا حَسَناً ... ولنا أن نُعمِل البصرا

فأجابه ظريف آخر:

وكنتَ إذا أرسلت طرفَك رائداً ... لقلبك يوماً أتعبتْك المناظرُ

رأيتَ الذي لا كله أنتَ قادرٌ ... عليه، ولا عن بعضه أنت صابر

قال الظريفان ذلك وقال ثالث:

لاَ يَحْجُبُ السِّحْرَ مِنْ عَيْنَيْكِ مِنْظاَرُ ... كُلٌّ إليكِ - عَلَى الْمِنْظاَرِ - نَظَّارُ

مَا زَادَ عَيْنَيْكِ إِلاَّ فِتْنَةً، فَسَليِ ... أَيُّ الْجَوَانَحِ لَمْ تَعْلَقْ بِهاَ النَّارُ

قَدْ رَفَّ مِنْ تَحِتْهِ خَدَّاكِ فيِ وَهَجٍ ... كَماَ أَضاََءتْ خِلاَلَ الْعُشْبِ أَزْهاَرُ

وَشَبَّ لَوْنَكِ حَتَّى قُلْتُ، بَعْضُ دُجىً ... باَقٍ مِنَ الَّليْلِ قَدْ حَفَّتْهُ أَنْوَارُ

أَوْ بَدْرٌ ثِمٍ تَمَشَّتْ فَوْقَ صَفْحَتِهِ ... غَمَامَةٌ بَرْقُهاَ الَّلَّماعُ غَرَّارُ

لاَ تَحْسَبيِ جفَنَكِ الْمَكْحُولَ تَمْنعُهُ ... مِنْ أَنْ يَصُولَ عَلَى الْعُشَّاقِ أَسْتاَرُ

السَّيْفُ فيِ الْغِمْدِ لاَ تُخْشَى بَوَادِرُهُ ... وَسَيْفُ جَفْنِكِ فيِ الْحَاَلينِ بَتَّارُ

دَعِي عُيَوْنَكِ تَلْقاَناَ بِلاَ حُجُبِ ... فَلَلعْيُوُنِ مُناَجَاةٌ وَأَسْرارُ

وَلاَ تَخَافيِ عَلَى الْمُضْنَي لَوَاحِظَهاَ ... فَجُرْحُهُ مِنْ عُيُونِ الْعَيْنِ تَغَّارُ

لَوْ لَمْ أُحِلَّ لْمَنْ أَهْوَاهُ سَفْكَ دَمِي ... لَمْ تَبْقَ حَسْناَء إِلاَّ وَهْيَ ليِ ثَارُ

تِلْكَ السِّهاَمُ - وَإنْ أَصْمَتْ - مُحَبَّبَةٌ ... كَمْ مْنْ قَتِيلٍ لَهُ فيِ الْقَتْلِ أَوْطَارُ

أَغْرَي بِنَا السَّقْمَ أَنِّا فيِ صَباَبَتِناَ ... تُخْفِي الْجَوَى وَالْمُعَنَّى الصَّبُّ صَبَّارُ

<<  <  ج:
ص:  >  >>