هل تأذن أيها الأستاذ الجليل أن يكتب إليكقروي نشأ في قرية من قرى السودان الذي صور الحال فيه شاعر من شعرائه مخاطبا قصبته الخرطوم، بقوله:
يا ملتقى النيلين أنت جميلة ... بهما فتيهي وافخري واختالي
كم في مغانيك الحبيبة من فتى ... ضاعت مواهبه لفقد المال
ولكم بها من عبقري بائس ... يمسي ويضحي بالي الأسمال
ليت الذي المواهب أهلها ... لو كان زودهم بحظ عال
فإذا كانت هذه حال عاصمته فما بالك بقرية من قراه النائية؟ حالت الظروف المادية بين كاتب هذه السطور وبين مغادرة قريته ليتعلم علما أو ليكتسب أدبا فقنع بما تلقاه عن الوافدين على قريته من علماء الدين وطلاب الأدب.
ولكن الرسالة الغراء مد الله في حياتهما وكثر عدد صفحاتها وأمتع بما يدبحه قلم الأستاذ الزيات من مقالات عقول قارئيها وقارئاتها؛ هذه الرسالة قد تخطت السدود والقيود وتسللت خيطاً من النور إلىظلام هذه القرية فتعلق بها هذا القروي ورأى فيها متعة العقل والروح، وسلوى القلب والنفس، وقد ذكر تعلقه بها حتى خال نفسه تلميذاً مخلصاً لصاحب الرسالة.
قرأت في عدد الرسالة (٨٢٢) في باب الكتب تحت عنوان على هامش كتابين للأستاذ كامل محمود حبيب ناقدا للكتاب (مع الناس) للأستاذ الحوماني فجاء في نقد الأستاذ حبيب يصف مؤلف الكتاب بقوله: وللمؤلف فكرة واحدة هي إيمانه بقول سيد العرب (ص)(لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) الخ وأقول إن هذه الحكمة قد ذكر مؤرخو حياة الإمام مالك بن انس أنها من كلامه، وعلى هذا فهي ليست من حديث سيد الخلق صلوات الله عليه وبالمناسبة اذكر أنى قرأت منذ سنوات حديثاً للأستاذ حافظ وهبة تحدثه من إذاعة لندن ونشرته مجلة المستمع العربي، آنذاك قال فيه يتحدث عن مليكه جلالة الملك بن السعود أنه كثيراً ما يردد في مجالسه هذه الحكمة التي رويت عن للإمام مالك (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح) واذكر أني وقفت طويلاً في فهم هذا الإصلاح ونوعه لقد كان أشياخنا في دروس الفقه عندما يمرون بهذه الحكمة التي قالها أمامهم مالك يفسرونها بأن