للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المسلمين الأولين انتصروا على أعدائهم بالسيف، فإذا لم ينتض المسلمون مرة أخرى لا يمكن أن يكونوا أنفسهم ويصلحوا شأنهم. وأني مع اعتقادي الجازم بأن السيف أصدق أنباء من الكتب لا أوافق هؤلاء الأشباح عفا الله عنهم الذين لم يكونوا واسعي الأفق على تفسيرهم خصوصاً بعد أن علمت أن مسألة انتصار الإسلام بالسيف حاول خصوم الإسلام من الغربيين أن يجعلوا منها ثغرة ينفذون بها إلىالطعن في تعاليم الإسلام. وقد ردَّ عليهم مفكرو المسلمين المتأخرون بما يبدد شبههم وينفي قولهم: إذن ماذا يعني مالك الذي هو من رجال الإصلاح في وقته؟ وماذا يعني الملك أبن السعود الذي يعتقد كثير من العرب والمسلمين أنه من قادة الإصلاح؟ ماذا يعنيان بهذا الإصلاح الذي صلح به المسلمون في عصرهم الأول ولا يمكن أن يصلحوا إلا به في كل عصورهم المتأخرة هذا، وقف عنده تفكيري مدةً طويلة ثم هداني فهمي القاصر إلىرأي لا أرى يأساً من عرضه على أستاذي الكبير الزيات.

إني أرى أن المناسبة التي دعت الإمام مالك أن يقول كلمته هذه هي نفس المناسبة التي دعت ابن السعود أن يرددها في مجالسه إذ أن بين المناسبتين تشابهاً كبيراً على أقل تقدير.

لقد عاش الإمام مالك في العصر العباسي ذلك العصر الذي ترجمت فيه فلسفة اليونان وانتشرت فيه ثقافة الفرس وترفهم بين الطبقات العليا المتوسطة من الأمة الإسلامية خصوصاً في العواصم الكبرى وحصل على أثر ذلك بعض الانحلال في المعتقدات والتدهور في الأخلاق. ولعل بعض من يهمه الصلاح المسلمين قد فكر في طريقة للإصلاح تكون متمشية على أسس الفلسفة والسياسة العباسية وغيرها من سياسات الأمم التي سبقت العرب إلىالحضارة والمدنية. فلما سمع الإمام هذا الرأي قال: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما يصلح به أولها) كذلك الملك ابن السعود لما رأى ثقافة الغرب وترفه يغزوان الأمم الإسلامية فينشران الإلحاد في الدين والانحلال في الأخلاق، وسمع أن بعض القادة يرون أن المسلمين لا يمكن إصلاحهم إلا إذا اتبعوا الغرب في كل خطواتهم ولو دخل حجر. كما سمع بهذا الإصلاح ردد تلك الحكمة التي سبقه إليه االإمام مالك (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) حقاً لقد صلح أول هذه الأمة بل لقد صارت هذه الأمة أمة بعد أن اهتدت بهدي هذا الوحي الإلهي السامي واسترشدت بأخلاق محمد بن عبد الله صلوات الله

<<  <  ج:
ص:  >  >>