استمع الأعضاء في جلسة من جلسات مؤتمر المجمع اللغوي إلى تقرير للجنة اللهجات بالمجمع يتضمن الخطة التي وضعتها لاستقراء الألفاظ والتراكيب الجارية على السنة أهل الأقطار العربية وتدوينها في معاجم وأطالس لغوية، وفي التقرير تفصيل لهذه الخطة لا تنتهي فيه إلى غاية مرجوة من هذه الدراسة.
استمع الأعضاء إلى ذلك التقرير، ثم دارت بينهم المناقشة في موضوعه، فاعترض بعضهم على اهتمام المجمع بهذه الدراسة، ومن هؤلاء المعترضين الجارم والعوامري والشبيبي والمغربي وعبد الوهاب عزام، وتلتقي آراءهم في أنه أولى بالمجمع أن يوجه عنايته إلى موضوعات أهم من هذا الموضوع. وساق الدكتور عبد الوهاب عزام بك حكاية ظريفة، قال: خطر لي عندما سمعت هذا البحث مثل سمعته في مدينة (مارسين) بتركيا، كان رجل جالسا على شاطئ البحر ذات يوم فمر به صاحب له فأساله: متى أتيت إلى هنا؟ قال الأول: أنا هنا منذ الصباح. فأساله صاحبه: وماذا تفعل؟ فأجاب: أعد الموج. عند ذلك سأله صاحبه: كم عددت؟ فما زاد على أن نظر إلى موجة وقال: هذه واحدة. فعد الأمواج قد يكون ذا متعة وفائدة ولكنه يشغل عن أمور أهم منه. ولئن كانت دراسة اللهجات أكثر فائدة من عد الأمواج فان بينهما مع ذلك بعض الشبه.
ويرى الشيخ عبد القادر المغربي أن دراسة اللهجات العامية تنافس عمل المجمع، فعمل المجتمع تثبيت اللغة الفصيحة، فان قام بتلك الدراسة فإنه يعطي العامية بذلك اعتبارا في أعين الناس يعرضون به عما نعلمهم من الفصيح. قال: قد يكون بحث اللهجات مفيداً لأولئك الغربيين المستعمرين الذين ينزلون بالبلاد العربية المختلفة ذات اللهجات المختلفة ليشتغلوا بالتجارة أو ليسعوا بالفتنة، أما اشتغالنا نحن بهذا العمل فحرام حرام.
ودافع عن الموضوع فريق آخر، منهم ماسينيون وطه حسين وأحمد أمين ومنصور فهمي، وقد رأوا جميعاً أن العلم يطلب لذاته ولا يسأل عن فائدته. وتولى الدكتور طه حسين الرد على الدكتور عزام والشيخ المغربي فقال: ليس للعالم عمل إلا أن يعد الموج، فعد الأمواج