كان عجباً حقاً أن يتخرج ويلز في كلية العلوم الملكية حيث الهندسة والجبر والميكانيكا ليصبح روائياً له مكانته العالمية.
وكان غريباً وهو رجل العلوم والرياضيات أن يتخطى السنين فيحلق على أجنحة الخيال ليكتب عن القمر وسكانه والمريخ وسبيل الوصول إليه. ثم يهبط إلى الأرض فيوجه إلى المجتمع الحديث بما فيه من نظم وأوضاع قارص النقد وشديد اللوم. تثقف ويلز ثقافة علمية صحيحة، وأمعن في القراءة لدارون وآمن بنظريته في النشوء والارتقاء إيماناً لا يتطرق إليه الشك. وتتبع محاظرات هكسلي تلميذ دارون بشغف لا مزيد عليه. والتهم معظم مؤلفات سبنسر. وكان إعجابه شديداً بوليام جيمس عالم النفس المعروف والفيلسوف التجريبي.
. . . . . ولكنه مع كل هذا كان رجل الخيال الرائع والأحلام الذهبية قبل أن يكون رجل المعضلات الحسابية والنظريات الهندسية، وكان لابد أن يتضارب الخيال مع الواقع. وإن تتناقض الدروس التي تلقاها في علم الكائنات الحية وغرامه بالروايات والقصص.
ولكن ويلز كان عقلية خصيبة من هذه العقليات التي تهضم كل شيء حتى لتستطيع أن تمزج الخيالات والحقائق، وتخلط التشريح والعواطف، وتوفق بين الروح العلمية والروح الشاعرة.
ولذا تجده في كتاباته يحيطك بشباك من حقائق علمية لا يمكنك إنكارها. ثم يجرك في رفق وهوادة إلى أشد ضروب الخيال إغراقاً في الخيال، وأكثرها بعداً عن العقل، ولكن لا يسعك إلا أن تسلم بما يقول وتوقن بما يكتب.
إن الإنسان بكل ما فيه من جمال وكل ما وهب من عقل لم يكن يوماً من الأيام إلا قرداً ممسوخاً لا جمال فيه ولا عقل له. هكذا كانت الصيحة التي فوجئ بها البشر من فم رجل قبيح الوجه عرفه الناس باسم دارون.
ولم يكن في هذه الصيحة من جديد. فقد سبقه إليها العالم (لامارك) ولكن دارون زعم أن