هناك سنّة للحياة لا محيد عنها. وقانوناً صارماً لا سبيل للهروب منه: هو قانون تنازع البقاء.
فهذه الحياة تضطرب بملايين من المخلوقات تتباين في نموها وتختلف في تركيبها، ولكن لا تلبث الحياة أن تضيق ذرعاً بها فتقدر لها أن تشتبك في قتال وحشي، ثم لا يبقى منها حياً إلا أقواها وأصلحها.
وإذا كانت القرود قد تمخض عراكها عن إنسان بسود اليوم وجه الأرض. فأي مخلوق جديد سيكشف لنا عنه الغد! تساؤل تملك ويلز تملكاً قوياً وكان محوره: وإلى أين هذه الإنسانية؟ وأي فئة من البشر مقدر لها البقاء؟ وأيها محكوم عليه بالفناء؟
ولقد زعم ويلز إنه مستطيع أن يهتك اللثام عن وجه هذا الغد المجهول فيصور لنا تصويراً دقيقاً رجل المستقبل، جسمه وعقله ونفسيته والمجتمع الذي يعيش فيه! ولكنه كان في كتابه حذراً. فهو يستند دائماً إلى الحقائق الثابتة، ويسترشد بماضي التطور الإنساني، ويعتمد على مجريات الحوادث. مما رفع به إلى مصاف كبار المفكرين. وجعل لرواياته الشيقة صبغة علمية محترمة.
فتراه يدرس الماضي ويحاول أن يستشف منه المستقبل، يستنتجه استنتاجاً ومقدماته في ذلك فروض علمية صحيحة.
واليك مثلاً هذه المحاولة الكبرى من جانب الإنسان في سبيل التحرر من قيود الطبيعة. فها هو قد فك عن نفسه الثقل الذي يربطه إلى سطح الأرضفارتفع في الهواء. وها هو قد تغلب على مضطرب الأمواج، فامتطى البحار، وعلى صعب الأرض فشق في جوفه المسالك والطرقات.
وإذن فمن الطبيعي أن يستمر تطوره في هذه الناحية قوياً. فهو لابد يوماً متخلص تخلصاً تاماً من جاذبية الأرض ليصعد إلى القمر وليسبح منه إلى المريخ وليهبط منه إلى زحل!
وما دام الإنسان قد أستغل بعض عناصر الطبيعة من كهرباء وبخار فسخرها في أدارة آلاته وتسيير قاطراته، فليس عجيباً ألا يدع عنصراً إلا استخدمه غير تارك في ذلك موج بحر أو نور شمس أو حرارة في جوف أرض.
وما دام البشر قد تغلبوا على بعد الشقة وطول المكان بما أوجدوه من سريع الطيارات،