أطبق الظلام على جميع آفاق الأرض. . . واختفى النور الصناعي الذي كانت الإنسانية تتسلق عليه إلى سُبُحات الجمال الموقوت والفن الفاني والطمأنينة الكاذبة. . . وارتدت الأحلام السعيدة إلى واقع الشجن والألم والانتكاس، فعانقت أشباح الكهوف والمغارات. . . وصارت قلوب بني آدم أوكاراً لمخلوقات شنيعة شوهاء هن بنات الظلام والغدر والخيانة والجريمة والخديعة. . .
ولم يَعُدْ للإنسانية غير ينابيع نور الطبيعة تستصبح به. . . لم يَعدْ لعيونها غير الشمس والقمر والنجوم. . . ولم يعد لقلوبها غير نور قبل الأزمنة والدهور. . . ولم يعد لأفكارها غير مبادئ الحق الواقع في الطبيعة.
أما الفلسفات والآراء والنظريات البراقة التي رددتها منابر المعاهد والمجامع ومجالس الترف العقلي، فقد اختفت مع اختفاء الأنوار الصناعية التي أوقدتها الأيدي المظلمة النجسة التي لم تتطهر بنور الله، وقد طارت بكتبها وسجلاتها قذائف الحديد والنار. . .
ترى: هل تكون أمواج هذا الظلام طوفاناً يغسل الأرض من ذلك النور الصناعي المدبس المدخول الذي لم يجر من منابع الحب ويد الله، وإنما من يد الشيطان الذي طمس وجه الحياة وجعلها في نظر الأحياء ليست أكثر من اقتناء الفحم الأسود و (الفحم الأبيض) والذهب الأصفر و (الذهب الأسود)؛ ثم أغراهم بذلك وجعلهم وراءه يتراكضون تراكض الذئاب بالأظفار والأنياب في عصر العجز والقصور، وبالفياصل والمناصل في بدء عصر التغلب والقدرة، ثم بالطائرات والغائصات والبارجات والجرارات في عصر بلوغ الأشد واكتمال السلطان!؟
أم أن القلب البشري لا يزال ولن يزال يعبد الظلام ويفئ إليه ويأنس بسكانه، ويرى في عالمه عبقريات يجب الرجوع إليها على فترات من الزمان؟ ولن تزال وثنيات وثنيات الجنس وخيلاء القومية وعبادة البطش وشهوات الاقتناء عقائد مقدسة يُفَلْسَفُ لها وتصطنع في حبها ترانيم وأناشيد وتقدم لمذابحها قرابين من اللحوم البشرية، ولمجامرها بخور وعطور من الأموال والمقتنيات حتى يرث الله الأرض وما عليها؟