للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أما أنا فقلبي تغمره موجة من التفاؤل الأكيد حول مستقبل سعيد قريب للإنسان، وظني أن هذه الظلمات تتمخض عن فجر أبلج وضاح يغمر آفاق الأرض غمراً طويلاً كما غمرتها هذه الظلمات طويلاً. . . لأن قواد المعسكرين الهائلين المتحاربين لا ينفكون يرددون على أسماع الأمم التي في أيديهم أزمتها ومقاليدها؛ أنهم يحاربون في سبيل خلق عالم إنساني عادل سعيد هانئ بعد الحرب؛ فإذا حدثت القواد نفوسهم أن يخيسوا بعهودهم وينقضوها، فإن المجهودين المنهوكين من جنود الحرب وعمالها ومنكوبيها سوف ينكلون تنكيلاً، سواء أكانوا منصورين أم مخذولين، لأن الجرائم التي ارتكبت في هذه الحرب لا تغتفرها الشعوب إلا إذا رأيت أنها أسلمت الناس إلى عالم أسعد وأكمل من العالم الحالي، ولأن الحياة الاجتماعية لا تحتمل حرباً كهذه الحرب التي تدمر الإنسان مع أقامه من المدن والأعمال ومخلفات التاريخ ومقدسات العقائد والوصايا الخلقية بالأطفال والعجزة والشيوخ والنساء. . . ولأن حرباً بعد هذه الحرب لا بد أن تكون أدهى منها وأمر، بحيث تسحق براعم الحياة المدنية وأصولها لا يبقى ولا يذر، بما وصل إليه هذا الإنسان العجيب وما سيصل إليه في فترة السلم التي تعقب هذه الحرب. . .

ويخطئ من يظن هذه الحرب صورة من ذلك العراك التقليدي بين بني البشر، وأنها ثورة غرائز وحب غلبة بين مجموعة ومجموعة من أمم تحب الحرب للحرب، وتمجدها لا لشيء إلا اندفاعاً وراء تلك الغرائز والحركات التاريخية الموروثة. . . إن من يظن ذلك ذو نظرة متخلفة، لا تزال تعيش في حدود النظرات الأولى للإنسان. . .

إن هذه الملحمة الكبرى تحول عميق أصيل عظيم في توجيه الحياة. . . الخاصة للأمة الواحدة، والحياة العامة للأمم جميعاً. . . فلنتيقظ لهذا، ولنؤمن به، ولنعمل له. . .

وإن القدر يؤذن بميلاد حياة جديدة، وابتداء دورة زمنية بعقل الإنسان وقلبه وجسمه بعد هذه الحرب الحُطَمة الضَّروس التي تهدم مثل العالم القديم الضيقة بمثلها وأفكارها الحرة، كما تهدم مبانيه ومخالفاته بالديناميت. . .

وهاهي ذي مواكبها ومراكبها وجراراتها العنيفة وزواحفها وطائراتها القاذفة والمنقضة والمترنحة والشراعية والهابطة، وصواريخها وأبواقها وأنفاسها في الأثير، وعيونها الكشافة، وحشود جيوشها الآخذة من شمال الأرض وجنوبها وشرقها وغربها في قاراتها

<<  <  ج:
ص:  >  >>