عصر الأحياء - إحياء العلوم - وشرق الأنوار على ظلمات العصور الوسطى، وتفتح العبقرية العظيمة في مختلف ضروب النبوغ الإنساني: في العلوم والآداب والفنون؛ وعصر المعارك والتطورات السياسية والاجتماعية العظيمة؛ وعصر اضمحلال المشرق ونهوض المغرب؛ وذوي الحضارات الإسلامية الزاهرة الأوربي (الرينصانص) الذي ينبثق فجره في إيطاليا منذ القرن الرابع عشر، في تلك الجمهوريات والدول الصغيرة الزاهرة، التي تستطع تواريخها كالآلىء في حلك العصور الوسطى؛ ثم لا يلبث حتى يغمر معظم أمم الشمال والغرب.
ولكنه أيضاً عصر الانقلابات السياسية والاجتماعية العنيفة، والشهوات المضطرمة، والمؤامرات والدسائس المروعة؛ وعصر المعارك الدينية والفورات المذهبية، وطغيان الأحبار، وعصفت مجالس التحقيق؛ وإذا كان يبدو في إيطاليا من بعض النواحي في أسطع وأبهى ألوانه، فإنه يبدو من بعض نواحيه الأخرى في ألوان قاتمة، فيما يجرف المجتمع الإيطالي يومئذ من عوامل الفساد والانحلال؛ وغمر اللهو والفجور والترف، وتدهور معاني الفضيلة والحشمة والحياء، واضطرام نزعة العدوان والأجرام والشر، وعلى الأجمال في تغلب الغرائز والشهوات المادية على المثل الروحية العليا
كان المجتمع الإيطالي يومئذ، كالمجتمع الروماني في عصوره الأخيرة، ويسطع بأشعته عظمته الأخيرة، ويسطع في نفس الوقت بحياة المجون العاصف، والترف الناعم
في أواخر القرن الخامس عشر تألق في أفق ذلك المجتمع الإيطالي الزاهر، نجم أسرة جديدة طبعت تلك المرحلة من تأريخ رومة بطابعها الخالد، وأسبغت مدى حين على المجتمع الروماني آية من الفخامة والبهاء، ونثرت عليه ألواناً من المرح الصاخب، ولكنها بسطت عليه في نفس الوقت ريحاً من التوجس والخشوع والورع
تلك هي أسرة بورجيا التي اعتلى مؤسسها وعميدها ردريجو بورجيا عرش البابوية باسم اسكندر السادس، وأنشأ ولده الطاغية الدموي تشيزاري (سيزار) بالسيف والنار مملكة