للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النقد أيضاً

للأستاذ أحمد أمين

أثار ما كتبه أخي الزيات في موضوع (النقد) معاني أخرى في نفسي تتصل بتاريخ النقد العربي في السنين الأخيرة.

ذلك أني أوازن بين النقد من نحو عشرين عاماً والنقد الآن، فأجده ليس خاضعاً لسنة النشوء والارتقاء، بل لسنة التدهور والانحطاط، حتى وصل إلى حالة من العجز يرثى لها.

فقد كان الكِتَاب إذا ظهر هبت الصحف والمجلات لعرضه ونقده؛ فاللغوي ينقده نقداً لغوياً، والمؤرخ ينقده نقداً تاريخياً، والأديب ينقده نقداً أدبياً؛ وتثور معركة حامية بين أنصار الكتاب وأعداء الكتاب، وتظهر في التأييد والتفنيد مقالات ضافية، وبحوث عميقة شائقة. ولست أنسى ما كان يقوم به الأستاذ إبراهيم اليازجي من نقد (لمجاني الأدب) و (أقرب الموارد) ونحوهما من الكتب، كما لست أنسى ما نُقد به كتاب (التمدن الإسلامي) والأخذ والرد اللذين قاما حوله؛ وكان شوقي أو حافظ يقول القصيدة، فيقوم ناقد معترض يبين معايبها، ومادح مقرظ يبين محاسنها؛ ومن هذا وذاك يستفيد الأديب، ويرقى الأدب، وتتجلى حقائق كانت خافية، وتتهذب أذواق كانت نابية، وكان يؤلَّف الكتاب الديني مثل كتاب (الإسلام وأصول الحكم) فتنشب معارك حامية، وينقسم المفكرون إلى معسكرين، وفي كل معركة شحذ للأذهان، ودرس للمتعلمين، وتمحيص للحقائق. قد كان في نقدهم أحياناً هُجر وقذع، وهجو وسباب؛ ولكن كان بجانب ذلك حقائق تذاع، وبحوث تنشر؛ وكان كل من السباب والنقد العفيف علامة حياة أدبية، وثورة فكرية، وعقل باحث، وقلم نشيط

تعال فانظر معي الآن إلى ما وصلنا إليه! لقد كثرت الكتب يخرجها المؤلفون، وأصبح الإنتاج الأدبي أضعاف ما كان، في كل ناحية من نواحي الأدب، من قصص وقصائد وموضوعات اجتماعية، وكتب تاريخية؛ وكثر الكلام في الأدب، وخصصت أكثر الصحف صفحات للمقالات الأدبية، وكان معقولاً أن يساير النقد هذه الحركة فيرقى معها، ويتسع باتساعها، وتتعدد نواحيه بتعددها، ولكن كان من الغريب أن تحدث هذه الظاهرة، وهي رقي الأدب وانحطاط النقد

نعم، أعتقد أن الأدب العربي ارتقى عما كان عليه منذ عشرين سنة في جملته لا في كل

<<  <  ج:
ص:  >  >>