ناحية من نواحيه، فقد يجوز أننا لم نجد من يخلف (شوقي) و (حافظاً) في ناحيتهما الشعرية، ولكن الأدب - بمعناه العام - أصبح خيراً مما كان، فغزرت معانيه بعد أن كان لفظياً، وعمق بعد أن كان سطحياً، وجادت القصة فيه نوعاً ما، واتسع أفقه وموضوعاته قدراً ما، وتأثر الأدبَ الغربي وقلده في مناحي رقيه. أما النقد فانكمش وأنكمش حتى ضمر وذبل وأشفى على الهلاك
وحسبك دليلاً أن ترى أشهر الكتاب في العالم العربي يخرجون الكتاب تلو الكتاب فلا تكاد تجد ناقداً يعتد به، وتقرأ ما يكتب عن ذلك في أشهر الصحف والمجلات فلا تجد إلا سراباً يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً؛ وأكثرها يكتفي باسم الكتاب وعرض موضوعه والاستعانة على ذلك بفهرسه ومقدمته ثم صيغة محفوظة متداولة من المدح والتقريظ. فان كان نقد فمظهر لا مخبر، هو نتاج فقر عقلي وخمود ذهني، ثم ينتهي الأمر ويغلق الباب. فلا معارك ولا مساجلات ولا بحوث حول الكتاب، ولا أخذ ولا رد، ولا مظهر من مظاهر الحياة الأدبية. لا يشعر الناقد أن عليه واجباً يؤديه للقراء، وأن منصبه يتطلب منه قراءة عميقة، وآراء صريحة، وتقديراً دقيقاً، وأن ذمته لا تبرأ إلا ببحث شامل واف ثم إبداء لرأيه في غير تحيز ولا مواربة، ولكن كل ما يشعر به أن المؤلف أهدى إليه الكتاب فهو يلقي على عاتقه العبء بكتابة كلمة خاملة، ووصف فاتر، ونقد سطحي.
ليس النقد مجرد استحسان الناقد أو استهجانه. فكل ما كان مبنياً على ذوق الناقد وحده، ومجرد ادعائه أن هذا بليغ وهذا ليس ببليغ وهذا راقِ وهذا غير راقِ لأنه يتذوقه أو لا يتذوقه، واكتفاؤه أحياناً بأن يصوغ عبارته في الاستحسان أو الاستهجان في قالب جميل، كل ذلك ليس من النقد في شيء. إنما النقد ما عُلّل وبينت فيه أسباب الحسن والقبح، وأسس على قضايا ثابتة. فبهذا يستفيد المنقود، ويرقى الأدب، ويسمو الذوق؛ وبهذا وحده لا يكون النقد فتاتاً لموائد الأدب، ولا متطفلاً على نتاجه، إنما يكون هادياً للأديب ومرشداً للجمهور وموجهاً للأدب نحو الكمال
ولكن ما علة هذه الظاهرة في الأدب العربي، وليس من الطبيعي في الأمم أن الأدب إذا رقي ضعف النقد، فإننا نرى الظاهرة في الأدب الغربي أن يرقى الأدب فيرقى النقد ويؤثر كلاهما في الآخر تأثيراً محموداً - فيجب أن تكون علة ضعف النقد العربي علة محلية لا