المسرح يقاسي اليوم محنة عسراء، محنة يدرك وطأت أهل الفن، ويخشون منها أسوأ العقبى. ولست أعني مسرحنا المصري وحده، فالمحنة عامة يصلي نارها المسرح كله في العالم المتحضر أجمع.
لا يغرنك ما عسى أن تراه من إقبال الناس على دور التمثيل، وما تشهد من شغفهم بها في مختلف الأمم. فإن الحقيقة الواقعة التي يعرفها الواقفون على بواطن الأمور أن المسرح لا يستطيع الثبات في الميدان الفني، معولاً على نفسه، مكتفياً بقوته؛ فهو في غالب شأنه ينشد العون، ويلتمس من العوامل المصنوعة ما يكفل له البقاء والاستمرار.
لقد أتى على المسرح حين من الدهر لم يكن فيه مفتقراً إلى مؤازرة وناصر، وإنما كان في ازدهاره وتألقه موفور القوة، شديد الأسر، مشاراً إليه بالبنان. فأما اليوم فإنه يفقد ما سلف له من تألق وازدهار، بل إنه ليبلغ منه الاضمحلال كل مبلغ، حتى أن بعض النقاد ليبادرون إلى نعيه، والترحم عليه، وما زال فيه رمق، وما برحت تتردد فيه أنفاس!
ولو صدق هذا التطير بمستقبل المسرح، لكان ذلك رزءاً يثير الأسى ويستتبع الحسرة، فللمسرح من العشاق والمشايعين خلق كثير، وإنهم ليعدون رحيله عن عالم الفن زوالاً لمظهر أنيس جذاب، صحب الإنسانية ردحاً من الدهر وكان له أطيب الأثر في صقل الأذهان وتبصيرها، وفي رياضة النفوس والترفيه عنها.
فماذا دهى المسرح حتى تفشاه هذا الاضمحلال؟
وما تلك الأسباب التي تسوغ التشاؤم بمستقبله، وتوقع القضاء عليه؟
ربما تباينت الأسباب واختلفت، بيد أنها تتجمع كلها في كلمة واحدة، هي:(السينما).
حقاً لقد استطاعت (السينما) خلال ثلث قرن أن تزعزع قواعد المسرح، وأن تنال من سلطانه. . . وهي التي تديل دولته إن كان مقدراً عليه أن يصير إلى زوال.
نشأت هذه (السينما) تعمل في ميدان المسرح نفسه منتهجة أغراضه متخذة أدواته، ولم تكن نشأتها ضرباً من العبث، أو لوناً من التطفل، وإنما كانت وليدة عوامل طبيعية قضى بها حكم الحياة ونظام العمران.