لقد أخذ العالم منذ القرن الماضي يصطنع الآلة في شتى أسباب العيش، فكانت (السينما) نتيجة من نتائج هذا التطور الآلي، وكانت لوناً من ألوان التطبيق العملي له، فهي إذن مظهر طبيعي يلائم العصر، ويساير التجدد.
من سرف القول أن تعد (السينما) خصماً للمسرح فالفن السينمائي في جوهره هو ابن المسرح وربيبه، تخلق من لحمه ودمه، وأغتذى بلبانه، فهما معاً يتقاسمان عناصر الفن من رواية ومنظر وممثلين.
فإذا أردت الدقة والتعمق تجلت لك (السينما) على أنها امتداد للمسرح، أو تطور له، وفقاً لحقيقة التجديد وطوعاً لروح العصر، فهي مسرح آلي مستحدث، يستكمل ما عجز عنه المسرح القديم، ويخلفه في أداء رسالة الفن للجيل الجديد.
لا غلو في القول بأن (السينما) قد حلت محل المسرح وقد تناولت منه المشعل، لتمضي به أسطع توهجاً، وأبعد مدى، بيد أن هذا لا يمنع أن يبقى للمسرح نوع من الحياة في إطار ضيق، وإن فقد ما كان له من سيادة وقيادة.
لكأن المسرح قصر عظيم على الطراز القديم، تكاملت له الفخامة والأبهة. ولكنه لم يعد يواتي العصر الحاضر بحاجاته ومطالبه.
أو لكأنه (جنتلمان) هرم يتباهى بمجده، ويعتز بأرستقراطيته، ولكنه قاعد متخلف يدب فيه البلى، ينافسه ما للشباب من فورة ووثبة ونشاط.
أو لكأنه مؤسسة نبيلة الغرض، رفيعة الهدف، ولكنها لا تملك أن تعيش بما لها من جهد، فهي أحوج ما تكون إلى ضروب الصدقات وألوان المعونات، لكي تؤتي ثمارها طيبات.
أو لكأن هذا المسرح إمبراطورية عظيمة، فقدت عناصر المرونة للتطور الحديث، فلم تعد موائمة لروح الشعوب التي تحكمها، فليس لها إلا أن تغدو دويلة صغيرة تساير ركب الدول، متنحية عن مكان الزعامة الذي كانت تملأه فيما حلا من العهود!
وفي معتقدي أن المحاولات التي يبذلها للمسرح أنصاره ومحبوه، جديرة أن تشد من عضده، ولكن هذه المحاولات - مهما تبلغ من قوتها - لا تحتفظ للمسرح بما كان له من مركز الزعامة، ولا تستطيع أن تزحزح (السينما) عن مكانها الذي سمت إليه، لتؤدي فيه رسالة الفن على أوسع نطاق.