كان في أحد السجون - ولنغفل ذكر اسمه - مجرم خطر شرس الطبع غليظ القلب فظ الخلق. ومع أن الإنسان لا يأمل ان يجد في مثل هذه الأماكن أناساً ورعين يشيع الصلاح في نفوسهم، فإن بين الأربعمائة سجين الذين ضمهم ذلك السجن، كان هذا السجين أكثرهم صلفاً وأشدهم شراسة.
نعته القوم باسم (الذئب) وكان قد قارب الستين من عمره، صرف اثنين وأربعين عاماً منه في غياهب السجون. فهو منذ شب افتتح حياته بالتنقل من سجن إلى آخر تارة بتهمة السرقة، وطوراً بتهمة القتل وما إلى ذلك من جرائم.
ولئن حاولنا أن نعدد الجرائم التي ارتكبها والآثام التي اقترفها، لشق علينا ذلك. وحسبنا أن نقول بأنه كان قد حكم عليه آخر مرة بالسجن مدة هي أضعاف ما تبقى له في جعبة الزمن من عمر، فقد كانت جريمته الأخيرة من أفظع الجرائم وأشدها قسوة ووحشية.
كان وحشاً كاسراً يميل إلى الأذى ويجنح إلى الشر لأتفه الأسباب. ولذلك تحاشاه نزلاء السجن ولم يجرئوا على الاقتراب منه، ولكم ركل غير مرة كل من دنا منه، أو وخزه - على الأقل - بإبرة الحياكة التي لا تفارق يده، فقد كانت حياكة القفافيز مهمته التي تشغله عن كل شيء حواليه.
كان وحشاً ضارباً، وهو في وحشيته أشد بطشاً من أولئك القتلة المتعطشين لشرب الدماء، الذين يحاكون أشرس الكواسر طبعاً وأفظع السباع فتكا.
ولقد اعتاد (الذئب) أن يمضي الأيام والأسابيع، جالساً في قاع السجن، منهمكا في العمل الذي بين يديه، وقد انكب عليه بكليته، فانحنت هامته بعض الشيء من جراء ذلك الأنكباب وكان يكسو رأسه شعر أسود فاحم لم يخطه المشيب، أما لحيته - التي تركها موظفو السجن وشأنها دون قص ولا تهذيب - فقد كانت كثة شعثاء وكانت عيناه مخيفتين يتطاير مهما