بين الأستاذ أنور المعداوي وبيني خلاف حول (إنسانية محمد) مرجعه إلى أن الأستاذ لا يقر التعليل الذي علل به الأستاذ العقاد مواقف النبي الإنسانية؛ وهو أنه إنما وقف هذه المواقف لأنه أكبر من أن يلقي الأمور لقاء الأنداد، وأعذر من أن يلقاها لقاء القضاة، وأخبر بسعة آفاق الدنيا التي تتسع لكل شيء بين الأرض والسماء، لأنه يملك مثلها آفاقاً كآفاقها هي آفاق الروح.
فالأستاذ المعداوي يرى أن هذا التعليل ينطبق على الرجل العظيم دون الإنسان العظيم؛ لأنه يجعل النبي صاحب طبيعة خلقية تنبع فيها الرحمة من منابع العظمة النفسية. بينما يرى أن مصدر الرحمة عند الإنسان العظيم هو (الضعف الإنساني) لا العظمة النفسية.
وأنا أخالفه في هذا لأني لا أجد تناقضاً بين العظمة النفسية والعظمة الإنسانية، بل إن الأولى في رأيي لازمة للثانية. لأن الإنسان العظيم الذي يرحم في غير مواضع الرحمة إنما يفعل ذلك لأنه يربأ بنفسه أن يقصر رحمته على مواضعها، شأن الرجل العادي ذي النفسية العادية.
وينصب الخلاف من ناحية أخرى على قول العقاد (أن النبي لا يكون رجلاً عظيماً وكفى بل لا بد أن يكون إنساناً عظيماً) فإذا كان الأستاذ المعداوي لم يقصد بتعليقه عليه سوى قوله (إن اشتراط الإنسانية لنبوة محمد أمر لا داعي لإثباته، لأن محمداً كان إنساناً بأدق معاني الكلمة قبل أن يبعث رسولاً إلى الناس)، إذا كان لم يقصد سوى هذا فأني أخالفه فيه أيضاً. فهل كون النبي إنساناً عظيماً قبل نبوته يمنع من اشتراط الإنسانية له؟ ما دخل إنسانية ما قبل النبوة هنا؟ إننا بصدد تبيين خصائص النبي، فلا يكفي أن يكون رجلاً عظيماً، بل يجب أيضاً أن يكون إنساناً عظيماً. هذا ما قاله العقاد. فما معنى دفعه بأن لا ضرورة لاشتراط الإنسانية للنبي لأنه كان إنساناً قبل أن يكون نبياً؟ هل الإنسانية قبل النبوة تمنع من جعلها من خصائصه بعد النبوة؟؟
وبعد، فهذه كلمة (عجيبة!!) أخرى، ولكنها الأخيرة، أبعث بها للأستاذ المعداوي مع تحياتي.