السيدة وداد سكاكيني، أديبة سورية، وكاتبة من الطراز الأول بين جميع بنات جنسها، وأقدر من عرفت من كاتبات العربية على الجمع بين حسن الديباجة، وطلاوة الأسلوب، وسلامة البيان، واختيار الألفاظ، وبراعة السبك ودقة التصوير خصوصاً في الأمور الواقعية.
ما قرأت لهذه السيدة بحثاً من البحوث إلا أحسست بالجهد الذي أنفقته والعناية التي بذلتها في صقل جملها لتكون على أجمل وأكمل ما يتراءى لها، وعلى أحسن ما يمكن أن يكون وقعها في نفس قارئها، وهذه صفات قلما وجدنا لها نظيراً بعد المرحومة الآنسة (ميْ) بين كاتبات العربية في هذا العصر. بل هي ميزة تمتاز بها على قريناتها خصوصاً في معرفة مداخل الموضوعات والخلوص منها.
جمعت هذه السيدة الفاضلة ما كتبت في مستهل حياتها من قصص في كتاب أسمته (مرايا الناس)؛ وأول ما يبدو لخاطر قارئ هذه المجموعة أن مؤلفتها كانت حبيسة دار الزوجية لا تسمع فيها - إن سمعت - سوى أحاديث الكتاب والأدب، والكتَّاب والأدباء، ولا تخرج من دارها إلا لتذهب إلى المدرسة تعلم بعد أن تعلمت وأخذت منها كل ما يمكن أن تعطيه لفتاة مجتهدة مثلها، وإذا جنحت عن المدرسة أو البيت - وقل ما نلاحظه في هذه المجموعة أنها جنحت عنهما - فتكون لزيارة صديقه قريبه أو زميلة. وقد ألمس الحقيقة إذا قلت إن حوادثها الخاصة وصورها الذاتية المرسومة في كتاب (مرايا الناس) مستمدة من محيط ضيق كل الضيق لم يتخط بيت طفولتها، ودور المدارس، ومنزل الزوجية. والمؤلفة برغم هذه العقاب وأسميها عقبات كأداء لسيدة متوثبة الذهن، متحفزة لاقتحام ميدان الحياة واجتلاء أسرارها، ألفت هذه المجموعة من القصص فجاءت ضيقة الحدود، متعرجة الخطوط، ناصلة الألوان، غير واضحة المعالم، وقد بدا شأنها فيها كشأن مقتحم الصحراء وهو غير مزود حتى بالبوصلة. وأزعم أن مجموعة قصصها الجديدة، وقد كتبت ما كتبت منها تحت سماء مصر، هذا القطر السعيد، الجياشة صدور أدبائه بالطموح إلى الخروج عن الطوق، وإثبات الشخصية، والساذرة أقلام نقاده في جنان من المديح والثناء المأجور، أقول إنها