لا تسمع من أي إنسان في أي مكان إلا تذمراً على حال المجتمع،
وتضجراً من نظام العيش، وتضوراً من فساد الحكم، وتحسراً على
أخلاق الناس! فما من سياسي تلقاه إلا رأيته لهيف الجوانح، ذاهب
القلب، لا يملك عينه من الدمع، ولا قلبه من الوجد، ولا لسانه من هذه
الشكاة: أضاعوا استقلال البلاد، ووأدوا دستور الأمة، ونشروا بخطلهم
على الشعب سوء النبأ! فقد كان لنا بجانب (الاحتلال) مكان، ومع (دار
الاستشارة) رأي، وقبل نفاذ الأمور كلمة، وفوق كل اعتبار كرامة؛
وكان لهذا كله على ضآلته وهزاله ثمن فادح مرهق، أديناه ضحايا برة
من أرواح الشباب في ساحة الجهاد، وملايين تسعة من أموال الأمة في
(قانون التضمينات)، ثم أصبحنا وإذا المكان خلاء، والإشارة أمر،
والكلمة رجاء، والكرامة ضراعة!!
أجل! يقول كل سياسي هذا الكلام، ويلوم هذا الملام، حتى أولئك الذين قتلوا بأيديهم الدستور أمس، يبكون عليه اليوم بأربعة آماق، لأن الإنجليز أكرموه فدفنوه!!
وما من موظف تراه إلا حدثك والهم يعتلج في صدره، والأسى يتلضى على وجهه، كيف تحكمت المحاباة في دوائر الحكم، وفشا التواكل في دوواين الحكومة! (فالشهادة العالية) في التعيين زور مع التوصية، والكفاية البارعة في الترقية خرق مع الهوى، وحسن العمل في سبيل الحظوة جناية مع سوء الحظ؛ ثم ترى (الأقلام) غاصة بالكتبة، والمكاتب مكتضة بالأضابير، والوزارات مزدحمة بالسائلين، والمستعجلين، والأوراق الحائرة تنتقل من يد إلى يد، وتخرج من مكتب إلى مكتب، وترحل من بلد إلى بلد، لأن (التواكل) الماهر قضى على كل كاتب أو حاسب أن يزيح همها عن نفسه، ويخرج حكمها من اختصاصه، فتلبث