للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على هذه الحال بين الحال والترحال شهوراً وسنين، وهي مع الجد لا تستغرق تفكير لحظة وعمل ساعة!

يقول كل موظف هذا الكلام، ويتهم هذا الاتهام، حتى أولئك الطفيليون الذين عينوا لقبض المرتب، وظلوا على الشيوع من غير عمل ولا مكتب!!

وما من أديب تخلوا إليه إلا نثر عليك دموع الخنساء، ونظم في مسمعيك تشاؤم أبى العلاء، وسألك وهو متبلد من الحيرة، متلدد من الدهش: متى كان البذاء من الأدب، والهجاء من النقد، والإدعاء من الفن، والتقليد البهيم من العبقرية، والكيد اللئيم من الصحافة؟؟

كان الأدب سبيلاً بين الله والنفس، وسلاماً بين الروح والجسم، ولساناً بين الجمال والحس، ودليلاً بين الهوى والخير، ونسباً بين القرابة والبعد، فأصبح كما ترى سبباً من أسباب العداوة، وسبيلاً من سبل الفرقة، وبوقاً من أبواق الفتنة، ومظهراً من مظاهر الجهالة!

يقول كل أديب هذا الكلام، ويلقي عليك هذا الاستفهام، حتى أولئك السفهاء الذين يلبسون ظلماً مسوح الأدب، ثم يلتمسون الظهور بالوقيعة في كل من كتب!!

وما من رجل من رجال الدين تجلس إليه إلا قال لك ودموع الحسنين تنهل على ردنه العريض انهلال القطر: لم يبق للدين في هذه الدنيا سلطان، ولا للخلق في هذه الفوضى مكان، ولا للفضيلة في هذه المادية قيمة! ولقد استشرى فساد العصر حتى نال من تقوى العلماء فأصبحوا يأنفون من الورع، وينفرون من البساطة، ويتأبهون عن العامة، ويمدون أعينهم لشهوة الحياة، ويذهبون أنفسهم على فتنة الحكم، ويتخلون عن الدعوة إلى سبيل الله إلى الدعوة إلى أهواء الفرد!!

يقول كل عالم هذا الكلام، ويهتم هذا الاهتمام، حتى أولئك الضعفاء الذين اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، وجعلوا من نفوسهم إلى الباطل سبيلا ودليلا!

وما من تاجر تعامله، أو صانع تقاوله، إلا ابتدرك بالزراية على الذين نفقوا على الغش، وآثروا على الخداع، وسلبوا ثقة الشعب باسم الاخوة، وسرقوا مال الجمهور باسم الوطن، حتى جعلوا التجارة والصناعة فيما بينهم وبين الناس معنى من معاني النهب، وحيلة من حيل الشطارة؛ فأنت تدخل المتجر أو المصنع وفي حسك لا محالة انك مغبون في السعر، أو مخدوع في النوع، أو مظلوم في التقدير!

<<  <  ج:
ص:  >  >>