إن خوف الهند التقليدي من المرض والشيخوخة والموت خوف قديم قدم حضاراتها الأولى، إذ كانت الهند منذ أن عرفها التاريخ موطن الأمراض المعدية المهلكة التي تحصد الناس حصداً، ومرتعاً خصيبا للأوبئة الفتاكة التي كانت تجتاح البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وتنزل بأهلها السقام
فأشاع أنين المرض الفزع في النفوس، وعدت الأوبئة من تلك الأحداث الفاجعة التي تحض على كراهية الحياة، وتحث على الهرب منها. ولم يكن للشيخ مكانة محترمة في هيئة اجتماعية مزحومة بالسكان، لعجزه عن القيام بمطالب الحياة الضرورية، واعتماده على غيره في كل شيء. بينما الموت الذي لا يعبر إلا عن نهاية الحياة، كان أشد الأحداث الإنسانية وقعا في نفوس الهنود الذين أفقدهم الموت الأمل في جدوى العيش في كنف عالم لن يفلت فيه أحد من شر المنية.
ولقد كان لهذه الوقائع الثلاث أثر ملحوظ في الحياة الهندية الروحية لوَّنها بلون قاتم نشر فيها التشاؤم، وبغض الهنود في الاندماج في الحياة العامة، وأصبح مثلهم الأعلى هو تجنب كل ما يتعلق بالدنيا من أمور عارضة، لأنها تجلب الآلام؛ والانغماس فيها لا يثير إلا القلق والخوف والشك. فاستطاب الهنود اعتزال المجتمعات حتى لا يتعرضوا لأي نوع من الأذى يملأ قلوبهم بالأسى والشجن.
وما هجر بوذا قصر أبيه الملكي إلا بدافع من الفزع من الموت والشيخوخة والمرض، وما تخلى عن حياة الترف إلا ليدفع عن نفسه عذاب الدنيا الذي تمثل له في هذه الأحداث الأليمة التي صبغت تفكيره بصبغة سوداء، وشكلت وجدانه في قالب حالك، فرأى العالم غارقاً في الآلام، واعتقد أن الحياة سلسلة لا تنتهي من الأحزان لن يخرج من دائرتها أحد ما لم يعتزلها، ويرضى بعيشة الزهاد.
أما طاغور فلم يجزع من الحياة جزع بوذا، ولم يطرأ على باله أن ينسحب منها، ويأوي إلى زاوية تائبة يعتزل فيها الناس، ويعيش في كهف أو غار عيشة الرهبان؛ بل رأى أن