بعثت بهذا الكتاب إلى أستاذ صديق من أساتذة الأدب في جامعة فؤاد الأول، وقد رأيت ألا بأس بإذاعته وإظهار الناس عليه فقد يكون فيه خير قليل أو كثير، وقد يكون فيه نفع ضئيل أو خطير. وأول ما يجب على الكاتب أن يؤثر الناس بالخير، ويختصهم بما يعتقد أن لهم فيه نفعا، فإذا تفضلت (الرسالة) فأذنت في نشره، فلها مني شكر ملؤه المودة الصادقة.
كمال بسيوني
صديقي العزيز. . .
لست أدري ما اهتمامك بهذا الشعر المصري الحديث، تدرسه وتنقده وتؤرخ له، إلا أن تكون قد أغرقت في العلم والفلسفة حتى مللتهما، فأردت أن ترفه عن نفسك بشيء من الجهل والسذاجة تجدهما في شعر هؤلاء الشعراء. ولا تغضب ولا يغضب معك هؤلاء الشعراء، فلم أرد إغضابك ولا إغضابهم، وما كنت في يوم من الأيام، ولن أكون في يوم من الأيام، مريد إلى إغضاب أحد أو متعمدا إسخاط أحد، وإنما هو الحق الذي أخلص له الحديث إذا تحدثت، والعلم الذي أتحرى فيه الصواب إذا بحثت، وأنا مهما كنت حريصا على إرضائك شديد الكره لإسخاطك، فأنا على إرضاء الحق أحرص، وللعبث بالعلم أشد كرها، وأنا من أجل ذلك آسف أشد الأسف حين أعلن إليك مضطرا أن هذا الشعر الذي يهز نفسك هزا، ويختلب قلبك اختلابا، لا يدل على شيء إلا على الجهل والسذاجة وما شئت من هذه الصفات التي تصور انحطاط الحياة العقلية، وماذا تريد أن أقول في كلام لا يصور حقيقة من حقائق العلم، ولا يشرح نظرية من نظريات الفلسفة، ولا يعتمد على منهج من مناهج البحث، ولا يحب الدقة إذا أراد أن يحدد الأشياء، بل لعل أبغض شيء إليه أن يسمي الأشياء بأسمائها. ستقول: وما للشعر ولهذا كله؟ ومن قال إن الشعر يصور حقائق العلم أو يشرح نظريات الفلسفة أو يعتمد على مناهج البحث أو يحرص على تسمية الأشياء بأسمائها؟ ولقد كنت تقول الشعر وتنشره في (الثقافة) وفي غير (الثقافة) من المجلات الأدبية، فهل كنت تقصد به إلى حقائق العلم ونظريات الفلسفة، أم كنت تقصد إلى الجمال الفني في نفسه، لا تريد أن تصف شعورا شعرت به، أو إحساسا أحسسته، أو عرض لك،