للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في تاريخ الأدب التركي]

للأستاذ عطا الله ترزي باشي المحامي

(بقية ما نشر في العدد الماضي)

قلنا في سياق الكلام عن التصوف أن القرن الثالث عشر الميلادي يعد مطلع نبوغ المتصوفة الأتراك، وذلك لسببين: أحدهما الرغبة الشديدة التي كان السلاجقة الأتراك يبدونها للمتصوفين ورجال الدين، وثانيهما هجرة المتصوفين إلى بلاد الأناضول، وذلك من جراء الغزوات التي كانت تشنها المغول في الشرق. فسكن هؤلاء في الأناضول، وشرعوا يؤسسون الطرائق الدينية. وكان مؤسس الطريقة يدعى (بير) أو الشيخ، وهو يعد زعيم طريقته وحامل لوائها. ويخلفه من بعده شيخ آخر بإجازته. وأما الذين كانوا يسلكون تلك الطرائق ويتبعون الشيوخ فكانوا يُدعون بـ (الدراويش). والمكان الذي فيه يقيمون الشعائر الدينية الطقوس العبادات المختلفة، يسمى (التكية)، وتوسعت هذه التكايا بمر الأيام وكر الأعوام فتأسست لها فروع واجتمع حولها أهل التصوف ينقرون الدفوف ويضربون الطبول وينفخون في المزمار. فيطربهم النغمات المنطلقة من قلوب ملؤها الحب والهوى، فيرقصون برقصات الدروشة المعروفة ويتغنون بالأشعار الصوفية التي ينظمها شعراؤهم البارزون. ولهذا كنا نرى الشعراء يتبارون في نظم المقطعات الشعرية التي تلائم هذه الحياة الموسيقية، تلك المنظومات الموزونة بأوزان تركية خاصة وإن كان قد شاع بينهم العروض

ويلاحظ في هذا العصر إن الأدب التركي تأثر كثيراً بالأدب الفارسي، كما أن هذا الأخير تأثر بالأول من بعض الوجوه، وذلك بسبب الاختلاط الذي حدث حينذاك بين العناصر الإسلامية المختلفة. فنرى كثيراً من شعراء الترك، وبالأخص المتصوفة منهم، ينظمون الشعر باللغة الفارسية أو أنهم يقتبسون القواعد الشعرية الفارسية وأساليبها، أو يستعملون ألفاظا فارسية في أشعارهم. ولا ننس بعض الشعراء ممن نسبوا لغتهم الأصلية أو هجروها في الأدب. وكذلك نجد شعراء كثيرين من الفرس برعوا في التفنن بالأدب التركي. . وهكذا فإن الحياة الاجتماعية في ذلك العصر كانت حياة متداخلة امتزجت بها الشعوب الشرقية تحت لواء الدين، فنتج من اتحاد هذه العناصر عنصر أدبي متماسك في الروح

<<  <  ج:
ص:  >  >>