في صباح يوم الأحد ١١ فبراير طالع الناس في إحدى الصحف اليومية المعارضة، هجوماً موجهاً إلى وزير المعارف وبعد ذلك بيومين كنت أتلقى اتهاماً سافراً بأنني صاحب هذا الهجوم، إن لم أكن على التحقيق قد أوحيت به. . وقلت لمن حمل إلى نبأ الاتهام نقلاً عن أفواه المسئولين: يتهمونني أنا؟ ولماذا يا صديقي؟ ترى هل تستطيع أن تنقل إلى مرة أخرى مصادر الشبهات؟ وكان رد الزميل الأديب: لأن بينك وبين الصحافة صلة عامة هي صلة القلم، وبينك وبين رئيس تحرير الصحيفة المعارضة صلة خاصة هي صلة القرابة، وبينك وبين وزير المعارف كما يقال أشياء!
كان ذلك في صباح الثلاثاء ١٣ فبراير، وقبل أن أعقب أو أسأل المزيد من الوضوح، أقبل رسول موفد من مكتب الوزير ليوجه إلي الحديث في كلمات: معالي الدكتور طه حسين باشا يطالبك. في تمام الساعة العاشرة والنصف! ونظر الزميل الأديب نظرة طويلة وعلى شفتيه ظل ابتسامة، معناها في لغة الصمت المعبر عن حديث الشعور: لقد بدأت المحاكمة!
وتركت حجرتي المتواضعة وفيها الزميل الأديب، وأخذت طريقي إلى الحجرة الضخمة التي ينتظرني فيها حساب وعقاب. . . وهناك تذكرت حقيقة من الحقائق لا أدري هل أوحى بها الموقف أم أوحى بها المكان: هذه الحجرة أقسم صادقاً أنني أطرق بابها لأول مرة، وأدخلها لأول مرة، وما اتجهت إليها نفسي في يوم من الأيام. . رباه! ما أعجب الذين يعرفون هذه الحجرة، يعرفونها كلما ذهب عهد وجاء عهد، وكلما مضى وزير وأقبل وزير حتى لقد حذقوا فنون التلون كما تحذقها كل حرباء!!
واستقر بي المقام في مكتب الوزير لحظات، ثم خرجت بعدها حين رأى صاحب المعالي أن يتم اللقاء في منزله، على أن يكون في الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم. وأقف قليلاً لأقص عليك قصة الألم المشبوب الذي ألهب مني الشعور وعصف بالوجدان، حين حملني الخيال على جناحه ليطلعني على مشاهد شتى وآفاق: رباه! هذا الرجل الذي لم يؤمن في حياته بقيمة من القيم كما آمن بحرية الفكر، ولم يتطلع إلى مثل من المثل كما تطلع إلى