للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب بين الخاصة والعامة]

لامرتين ورينيه جارد

للسيد اسكندر كرباج

(تتمة)

ثم يقول لامرتين: نبّه فيَّ هذا الحوار فكرة وضع قصص شعبية إجابة لرغبة تلك الفتاة الكريمة. لقد عشت طويلاً في الأكواخ والحقول والثكنات وعلى ظهر البواخر وفي أعالي الجبال، وعاشرت العمَّال والمزارعين والجنود والنوتية والرعاة والخدم الذين يؤلفون قسماً من عيالنا؛ وتحدثت إلى هذه العقليات الساذجة الصالحة، وخبرت عاداتها وميولها ولغاتها أكثر مما خبرت عادات رجال المجالس وميولهم ولغاتهم؛ وكنت شاهداً بل أميناً لأسرار حياة ثماني شخصيات خاملة ولكنها حافلة بنوب وآلام خفية إذا دونّت بسذاجة كما روُيت كانت قصائد حقيقية طافحة بالشعور والإحساس؛ وأعرف الأماكن والحوادث والأشخاص معرفة تامة، فسأحاول كتابة هذه القصص ونشرها أجزاء متتابعة دون أقل اهتمام بفخامة الطبع والورق أو طرافة الأسلوب وأناقة الجمل وشحذ القريحة وكدّ الذهن، لأن الطبيعة هي روح هذا النوع من الأدب، والطبقات الوضيعة أقدر على إدراكها والاستلهام بها من الطبقات العالية؛ فإذا وجدتها في هذه الرسوم العارية من زخارف الفنّ استرقتها واستزادت منها. عندئذٍ تتقدَّ أيدٍ أجد من يديَّ وأبرع لوضعها بصورة أفضل، لأن الأدب الشعبي لا يكتمل إلا بالمؤلفات العاطفية التي هي من مميزات الطبقات الجاهلة، وإنجيل العاطفة كإنجيل الدين يجب أن يُبشَّر به أولاً بين البسطاء بلغة سليمة كقلب الطفل

وأراد لامرتين أن يطلع رينيه على آرائه فيما يتعلَّق بكتابة التأريخ الشعبي فقال لها: لا يزال رجال السلطة يمالئون الشعب ويتوددون إليه لاعتقادهم أنه مصدر القوة التي يجب أن يعتمدوها في إسقاط الحكومات وابتلاع الوطنيات، فيستغوونه بشتى الوسائل، ويمثلونه بقولهم إن قوته تولد الحق، وإرادته العدل، ومجده يكتسب عفو التأريخ، وانتصار قضيته يبرر كل الوسائط، حتى الجرائم تخف أمام عظمة النتائج، فيؤمن بهم ويتبعهم ويساعدهم بقواه المادية، وبعد أن يتوصلوا بقوة سواعده وإهدار دمه وارتكاب جرائمه إلى إسقاط

<<  <  ج:
ص:  >  >>