هذه هي الطريقة التي سلكوها إلى الآن في معاملة الشعب وكانت سبباً لانتشار شوائب البلاط بينه واستلذاذه التملق.
ليس هذا ما نريده للشعب؛ نريد أن يقابلنا واقفاً، ويخاطبنا وجهاً لوجه، فهو كسائر عناصر الأمة لا يقل قيمة عنها ولا يزيد؛ وإذا كان قد تعوَّد الكذب والممالأة، ففيه خلتان كبيرتان لا يجوز نسيانهما، هما الصراحة والجرأة. لذلك هو يعرف أن يحترم مقاوميه ويحتقر متخوفيه. ففي الحيوانات مالا يفترس إلا من يهرب من أمامه، والشعب كالأسد يجب ألا يجابه إلا من الأمام
يقوم التأريخ الشعبي على واحدة من هذه القواعد الأساسية الثلاث: المجد، والوطنية، والمدنية. فالمجد لا يرضى إلا أمة حربية تبهرها القوة فتعمى عن رؤية الحق؛ والوطنية تضرم نار الحمية في الشعب فيطوح بنفسه في مهاوي الأثرة والطموح
أما المدينة المستديمة فهي الأصلح لقيادة الفكر البشري بين شعاب الشك وبلبلة الآراء والأهواء والأثرة الفردية أو الوطنية، ولإفهامه أن المجد والوطنية لا ينفعان الأمة والنوع البشري إذا فصلا عن الأدب العام، لأن المجد لا يقاوم الصلاح، والوطنية ليست عدوَّة الإنسانية، والفوز لا يمكن أن يكون خصماً للعدالة، وأن التأريخ ليس هذا المزيج من الأفراد والأشياء المشوشة، بل هو خطوة إلى الأمام في طريق الدهور، إذ لكل أمة شأنها وعملها العظيم، ولكل طبقة اجتماعية أهميتها في نظر الله. وفضلاً عن ذلك فقيام التأريخ على هذه القاعدة يعلم الشعب أن يحترم نفسه، ويعرف مقدار قوته ونفعه، وأنه فوق الإمبراطورية والسلطة، وأن هذه تكون كما يريد، فإذا وجد شعباً يشكو من حكومته فهو دليل على أنه لا يستحق غيرها، هكذا كان تاسيت يفتكر في زمانه، ولا تزال فكرته تجري مجرى الأمثال إلى اليوم
واعتزامي كتابة التأريخ على هذه القاعدة نبّه فيّ فكرة قديمة كنت عرضتها على الحكومة فلم تصادف القبول، لأنها ليست آلة للحرب والتدمير بل للسلم والبناء. وهذه الفكرة هي أن حرية الصحافة وديموقراطية الحكومة وحركة الصناعة وانتشار التعليم في كل قرى البلاد وبين كل طبقات الشعب أنار الأذهان ورغب في المطالعة، وبعد أن أوجدوا في الشعب هذا