للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الميل إلى القراءة فما هي المؤلفات التي وضعوها له؟ لا شيء!

إن لأبناء الطبقات الغنيّة كثيراً من المدارس العالية حيث يسمعون شروح كبار الأساتذة في كل أنواع العلوم والفنون، وإذا لم تكفهم المدارس فعندهم المكاتب الكبيرة والصحف التي تحمل بين دفاتها ما يغذّي العقل والفكر والروح من المواضيع الشائقة. أما أبناء الطبقات الفقيرة العاملة ومنهم الجيوش والبحّارة والرعاة والشيوخ والنساء والأولاد فكل ما عندهم لتثقيف عقولهم وتسلية نفوسهم في أوقات الفراغ هو التعليم المسيحي وبعض الأناشيد المشوهة والقصص السخيفة، فمن هذه الكتب القليلة التافهة تتألف مكتبة الشعب ومتحفه وفنّه!

فأردتُ ملء هذا الفراغ في حياة الشعب الأدبية والعقلية بكتاب لا يقرأ إلا مرة واحدة، ولكن لا أول له ولا آخر، وأعني به صحيفة يومية كبرى يتولى تحريرها نخبة من كبار علماء العصر وكتابه وشعرائه، بلغة سهلة بسيطة، وتعابير قريبة من أفهامه تطلعه على أهم أخبار الكون اليومية وسياسته وفلسفته وعلومه وفنونه. وتحقيق هذه الفكرة لا يكلف أكثر من مليون فرنك سنوياً يكفي لجمعها أن يكتتب مليون شخص بفرنك واحد في السنة؛ وإذا كنت لم أحقق هذه الفكرة فلأني لست وحدي هذا المليون، ولأنه لا توجد في فرنسا حالاً فكرة تساوي فلساً واحداً!

هذه هي فكرتي يارينيه فيما يختص بالتأريخ والأدب والشعر والعلوم والفنون التي يجب أن تكتب للشعب؛ ولا أحب إلى الطبقات الفقيرة ولا أجمل وأبلغ من تحقيق هذه الفكرة. ولو أن لي ذكاء الكتاب المعاصرين وشبابهم واندفاعهم لقمت بأعمال عظيمة في عالم الفكر والثقافة، فأمامنا عالم جديد للاكتشاف لا يتطلب عبور المحيط ككولومبوس، هو إحساس الطبقات العاملة وعقلياتها، فجغرافية العالم الأدبية لا تكتمل إلا متى اكتشفت هذه القارة الشعبية وملئت بمبادئ بحارة الفكر

فتقول له رينيه: لقد فهمت كل أفكارك يا سيدي على رغم سموها وجمالها

فيجيبها: لم أخاطبك إلا كشاعرة، والشعب شاعر أيضاً لأنه طفل الطبيعة الفطيم، والطبيعة كخالقها لا تتكلم إلا بلغة الصور. . .

ثم تودعه رينيه وتودع زوجته شاكرة لهما حسن الضيافة، وتسافر إلى إكس في مركبة

<<  <  ج:
ص:  >  >>