للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأمومة عند العرب]

للأستاذ رفعة الحنبلي

تمهيد

ذهب أكثر علماء الاجتماع، حتى أواسط القرن الثامن عشر إلى أن الأبوة هي أقدم عهداً من الأمومة في تاريخ الأسرة، وأنها قد تتشابه والأسرة الحديثة تشابهاً كلياً من حيث المنشأ والتكوين، إلى أن ظهر كتاب (الأمومة) للعالم الألماني الكبير فأحدث انقلاباً تاماً في تاريخ الأسرة وفي آراء علماء الاجتماع فيه. إذ ذهب إلى أن الأمومة هي أقدم عهداً من الأبوة، وأبعدها أثراً منها في الهيئة الاجتماعية

ليست الأمومة أقدم نوع في تاريخ الأسرة بل هي - كالأبوة - أحد الأنواع التي مرت على هذا التاريخ منذ ما أخذت الجماعات الإنسانية تفكر في تكوين الأسرة وخلقها

أراد علماء الاجتماع بالأمومة بأنها القرابة من ناحية الأم، كما أرادوا بالأبوة بأنها القرابة من ناحية الأب، ذلك أن الولد في الحالة الأولى ينتسب إلى أمه كما أنه ينتسب إلى أبيه في الحالة الثانية

وقد اختلف العلماء في أمر نشأة الأمومة وتباينت آراؤهم في أمر ظهورها، فذهب إلى أنها نشأت من نكاح المشاركة أو بعبارة ثانية من نكاح الاختلاط فتولد من هذا النوع من النكاح الفوضوي الأمومة؛ إذ ليس من السهولة أن يعرف الولد أباء فينتسب إليه ويلتحق به، ولذا كان النسب محصوراً في الأم وقرابتها وحسب، وأصبحت لها مكانتها العالية، ومقامها الرفيع عند القوم، لأنها - في الحقيقة - الوالدة الوحيدة المعروفة من أبوي الولد مما أدى بها إلى تزعمها الهيئة الاجتماعية ردحاً من الزمن

إلا أن العالم الإنكليزي يخالف فيما ذهب إليه في أمر نشأة الأمومة، ويردها إلى التباين الموجود بين نوعين من أنواع الزواج: الزواج الخارجي والزواج الداخلي ذلك أن عندما أراد البحث عن تاريخ الأسرة، وجد أن هنالك عادة لا تزال شائعة عند بعض الشعوب المتوحشة حتى في بعض الأمم المتمدينة أيضاً، هذه العادة هي خطف الخطيب لفتاته، أو اغتصابها، فأيقن أن هذه الظاهرة ليست إلا بقية من عادة قديمة أخرى تشير إلى تزوج رجل قبيلة في قبيلة ثانية. وقد توصل في بحثه هذا إلى معرفة تلك العادة وسبب تأصلها

<<  <  ج:
ص:  >  >>