في الأمم الغابرة، فاعتقد أنها ناتجة عن وأد الفتاة وقتلها، مما أدى إلى قلة عدد النساء، وزيادة عدد الرجال زيادة بينة، فأقدم هؤلاء على مخالطة امرأة واحدة مما نشأ عنه تعدد الأزواج وبالتالي الأمومة، التي يعنى بها معرفة أم الولد دون أبيه
وخالف العالم الألماني زميله في اجتهاده مخالفة تامة فذهب إلى أن الأمومة ظهرت بظهور (عصر الزراعة) وعهدها؛ ذلك أن الأم - في ذلك الوقت - كانت تتعهَّد الأرض بالغرس والزرع تعهداً كليَّا، وكانت تشرف على البيت إشرافاً تاماً لا ينازعها السلطة عليه أحد، متحملة التبعات العظيمة التي ألقيت على عاتقها مما جعلها تهتم بالناحيتين الداخلية والاقتصادية، بينما كان الرجل بعيداً عن البيت وعن هذه المظاهر المختلفة، إما للقيام بواجب الدفاع أيام الغزوات والحروب، وإما لإشباع رغبته في القنص والصيد، وهو إلى هذا قد لا يفكر في الاجتماع بأسرته وزيارة امرأته - أم أولاده - إلا عندما يرغب في الاتصال بها
حدث من هذا الابتعاد أن التف حول المرأة أولادها - وهي التي غذتهم بلبنها وقامت على تربيتهم - فأنشأت لنفسها مركزاً سامياً بين أعضاء أسرتها، أي لدى أولادها واخوتها وأعمامها، وأخذت الأسرة تتركز فيها، فاحترم القوم هذه الأم، وأنزلوها منزلة رفيعة، وأمست محور الأسرة ومحور البيت معاً. . . وهكذا اتجهت الأمومة نحوها
إلا أن لم ينتبه إلى أهمية (التوتمية) في نشأة الأمومة؛ هذه الكلمة تشير إلى رمز ديني اتخذته الأسرة أو القبيلة القديمة إلهاً لها، وهي إلى ذلك من الرموز الدينية التي لها الفضل الأكبر في تكوين الأسرة الأولى. يقول: (إن الأسرة الأولى لم تقم إلى على التوتمية، وحسب المرء لكي يعد عضواً في الهيئة الاجتماعية أن يكون تابعاً أو منتسباً لتوتم واحد ومن صفات التوتم أن يكون محصوراً في نسل المرأة، أي أن يتبع الولد توتم أمه. وليس الولد هو الذي يتبع أو ينتسب إلى هذا التوتم فحسب، بل تشترك الأسرة والقبيلة في هذا الانتساب أيضاً. فالتوتمية لها إذن الأثر الأكبر في تكوين الأمومة وظهورها
وإذا كان الولد لازم أمه في عصر الزراعة كما نوه بذلك وما إليها وانتسب إلى أسرتها، وتوثقت علاقته الاجتماعية بها، فإن كل هذه الظواهر لم تكن نتيجة هذا العصر، بل كان الباعث لها التوتمية