مما لا ريب فيه أن الأمومة كانت فاشية عند أكثر شعوب العالم إن لم يكن كلها، ونكاد نلمس آثارها جلية واضحة عند بعض الجماعات: كقبائل الأراواك في غينيا، وقبائل الدياك في بورنو؛ كما أننا نشعر باضمحلالها عند البعض الآخر حيث خلفتها الأبوة. وإذا ما رجعنا إلى تراث كل أمة من الأمم الغابرة نجد أنها عرفت هذا النوع من أنواع الأسرة. والأمة العربية لم تخل في سالف عهدها، قبل الإسلام، من شيوع الأمومة فيها ومعرفة العرب بالتوتمية فالتوتمية كلمة أشار بها هنود أمريكا الشمالية إلى الحيوان المقدس الذي تعبده القبيلة وتسمى باسمه وتنتسب إليه. فالقبيلة التي تأخذ الحمامة توتماً لها، فإنها تعتبرها ملاكاً كريماً، وروحاً طاهرة وحارساً أميناً لها، فتتلقب بها، ويعتقد رجالها جميعهم أنهم أقرباء لها ولسائر أنواع الحمام أيضاً
ولو رجعنا إلى تاريخ الأمة العربية، في جاهليتها، لوجدنا أن كثيراً من قبائلها كانت تعرف بأسماء بعض الحيوان أو بأسماء بعض الآلهة، ودليلنا على ذلك أنْ بعض القبائل العربية كانت معروفة بقبائل أسد، وثور، وكلب، وعقاب، وغيرها، حتى أن المستشرق سمث يعتقد أن لهذه الأسماء معاني دينية، وأن لها علاقة بعبادة الحيوان كما هو مشاهد في التوتمية؛ كما أن البعض الآخر من القبائل العربية تتلقب بأسماء الآلهة التي عبدها كقبائل بني هلال وبني شمس وبني بدر وغيرها الذين كانوا ينتسبون إلى تلك الآلهة التي كانوا يعبدونها أيضاً؛ فالقبائل العربية كانت، عهدئذ، توتمية أي أنها كانت تقدس الحيوان وتعبده، وعنه اتخذت ألقابها. على أن من صفات التوتم، كما قدمنا، أن يكون محصوراً في نسل المرأة أي أن يتبع الولد أمه دون أبيه، كما هو مشهور عن هنود أمريكا الشمالية إذ لا يزالون حتى اليوم على الأمومة
والأمومة عند العرب نشأت عن عدم معرفة أبي الولد، ذلك أن الهيئة الاجتماعية العربية القديمة لم تهتم بالزواج الشرعي بل كان الزواج فوضوياً أو زواجاً مشتركاً أي أن المرأة لم تكن ترتبط مع الرجل برباط شرعي متين بل كانت تتصل بأكثر رجال قبيلتها
إلا أن العالم يذهب إلى أن الأمومة نشأت عند العرب عن تعدد الأزواج الذي كان في بادئ الأمر غير مقيد، بمعنى أنه لم تكن صلة قرابة بين الأشخاص المالكة لامرأة واحدة،