أصدر الأستاذ الكبير محمود تيمور مؤلفاً يتضمن ثلاث مسرحيات صغيرة هي:(الصعلوك) و (أبو شوشه) و (الموكب) مكتوبة باللهجة العامية، تناولتها الأقلام بما هي جديرة به من الاهتمام؛ لأن لتيمور بك اسماً نابهاً متفرداً بطرائقه في عالم القصص المصري، نُقل بعضه بأقلام كتاب غربيين إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية، وأثيرت حوله بحوث من جانب بعض المستشرقين المعنيين بالأدب العربي المستحدث. وفوق ذلك فإن تيموراً سليل بيت عريق في خدمة الأدب العربي والتبريز في مجلاته المختلفة.
بيد أن ما دبجته أقلام النقاد عن هذه المسرحيات الثلاث لم يتجاوز تسجيل مفاتنها الظاهرة، وذلك من حيث رشاقة الأسلوب، ورونق السياقة، وحبكة الوضع، ومن حيث الأغراض الاجتماعية التي تهدف إليها
والأسلوب وما يتبعه، والأغراض الاجتماعية وما يتعلق بها لا تعنيني بقليل أو كثير، لأنها ليست حقائق خالدة؛ بل هي أشياء تغير لبوسها من عصر إلى عصر، وأوضاع تتحور وتتبدل، تتغير النظرة إليها بتغير المزاج الاجتماعي، وبتبدل الذوق البياني في التركيب الإنشائي وفي السياقة وبتحور الصيغ الفنية الخاصة بكتابة المسرحية؛ والإنسان في هذا - كما يثبت الاستقراء في التاريخ - يحرق اليوم ما كان يعبده بالأمس، ثم يعود فيعبد ما حرق!
فإذا صح لي أن أعني بمسرحيات تيمور - وهي طريقة جديرة بالعناية - فإن موضع اهتمامي سيكون مقصوراً على ما بتلك المسرحات من حقائق ثابتة لا تتغير. والثابت الخالد من الحقائق في العمل الأدبي أو الفني إنما هو ما يتصل بالنفس البشرية وما تمتد أعراقه في تربة الإنسانية. وذلك لأن النفس خالدة، والإنسانية وحدة قائمة متماسكة في كل زمان