يمر الزمن وتزداد عظمة الرسول وضوحاً وجلاء، وكلما تعمقنا في دراسة روائعه وجوامع كلمة تجلى صفاء المعنى وسمو المرمى والحكمة الزاخرة والحق المبين
وحين نستعرض بعض روائعه نجتلي محاسن أغراسها، ونمتع النفس بنفائس أزهارها، ونغذي الروح بما فيها من حكمة وخير وجمال - أقول حين نستعرض هذه نجد أن من الأحاديث ما يعبر أروع تعبير عن حقيقة الظواهر الكونية وعن القوانين الطبيعية التي تسيطر على هذا العالم، فهي وإن قلت عدد كلمات، فقد حوت من الحكم والمعاني ما يبهر العقل والقلب والعاطفة؛ يهتدي بها الضال في الفلوات، ويرنو إليها الخابط في الظلمات، تنير الفكر وتهدي إلى الغاية، كما ترشد إلى الحقيقة الخالدة. فيها الهدى، وفيها الموعظة، وفيها العبرة.
كان إبراهيم قرة عين الرسول يسر بمداعبته ويطمئن إلى رؤيته، يرمقه بعطف ليس بعده عطف، ويخلع عليه ألواناً من الحب والحنان تتمثل فيها الرحمة الأبوية في أقوى صورها، والعاطفة الإنسانية في أسمى معانيها.
لقد فقد محمد أبناؤه وبناته ولم يبق له غير فاطمة وإبراهيم. لهذا لا عجب إذا طفح بشراً عند مشاهدتهما، وامتلأ غبطة وسروراً في لقياهما، ولكن شاءت الحكمة الإلهية أن لا تطول تلك الغبطة وذلك السرور، أن يفجع النبي في ولده إبراهيم، وهنا (انطفأ بموته ذلك الذي تفتحت له نفس زمنا وزادت عينا محمد تهتانا وهو يقول: يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وأن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك بأشد من هذا. . .)
كسفت الشمس في يوم الوفاة، ورأى المسلمون في ذلك كرامة. فقال بعضهم: لقد انكسفت الشمس لموته. وهم على ما يظهر على حق فيما يقولون؛ فلقد وافق موت إبراهيم كسوف الشمس؛ فلماذا لا يرى بعضهم في هذا معجزة؟
أليس الله بقادر على كل شيء؟
أليس الرسول كريماً عند مولاه؟
لقد حسبوا أن الله أراد أن يكون في هذه الظاهرة العزاء والسلوى لنبيه الكريم. . .