تمنعوه؟ قالوا: لا؛ وسبوه. فتركه لله ولهم؛ فاحتملوه حتى بلغوا به المنزل على رؤوسهم وأكفهم. وقد حكم ابن حجر بضعف هذا الخبر، لأن علياً استمر حريصاً على أن يقتله بالهرمزان. وقد قالوا إنه هرب لما ولي الخلافة إلى الشام فكان مع معاوية إلى أن قتل معه بصفين. وإني أرى أن هذا لا يقطع بضعف هذا الخبر، لأنه يجوز أن علياً رأى أن القماذبان قد حمل من الناس على هذا العفو، على أني أستبعد أن يستمر علي حريصاً على قتل عبيد الله بعد حكم عثمان بذلك؛ فلكل حكم قداسته، وعلى أكبر من أن يستهين بالأحكام إلى هذا الحد. ولا أنكر مع هذا أنه لم يكن راضياً عنه، وأنه كان هناك فريق من الصحابة يشاركه في عدم الرضا به، ومن ذلك الفريق زياد ابن لبيد البياضي، وكان إذا رأى عبيد الله ينشده:
إلا يا عبيد الله مالك مهربٌ ... ولا ملجأ من ابن أرْوى ولا خَفَرْ
أصبت دماً والله في غير حِلَّه ... حراماً وقتل الهرمزانِ له خطر
على غير شيء غير أن قال قائل ... أتتهمون الهرمزان على عُمر
فقال سفيهُ والحوادث جمةٌ ... نعم أَتهمْهُ قد أشار وقد أمَر
وكان سلاح العبد في جوف بيته ... يقلَّبها والأمر بالأمر يعتبرْ
فشكاه عبيد الله إلى عثمان فدعا به فنهاه، فقال في عثمان:
أبا عمرِو عبيد الله رهنٌ ... فلا تشكك بقتل الهرمزان
فإنك إن غفرْت الجُرْم عنه ... وأسباب الخطأ فرسار هان
أتعفو إذ عفوت بغير حقٍ ... فما لك بالذي تحكي يَدان
فدعا به عثمان ثانياً فنهاه وشذبه، وكان حقيقاً بما فعل عثمان به لأن الطعن في الأحكام بهذا الشكل يدعو إلى الفوضى، والقاضي إذا حكم باجتهاده كان لحكمه قداسته كائناً ما كان حكمه