للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بالحادث الذي يريد الحكم فيه

وكان عمر بن العاص ممن نصب نفسه للدفاع عن عبيد الله، وقد ذهب فيه مذهباً غريباً يخلصه من القصاص، ولا يكون فيه عنده خروج على نص الشرع في قتل العمد، فقال لعثمان: يا أمير المؤمنين، إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الأمر ولك على الناس من سلطان، وإنما كان هذا الأمر ولا سلطان لك، فاصفح عنه يا أمير المؤمنين. وعمرو يذهب في هذا كما ذكر ابن حزم إلى إهدار القود عمن قتل في الجماعة بين موت إمام وولاية آخر، وهو مذهب غريب لا يصح الأخذ به، وإلا انتظر الناس ذلك الظرف فاستباحوا فيه الدماء، لأنهم يرون أنه لا ينالهم فيه قصاص. وانتهت بدفاع عمرو مرحلة الدفاع في القضية، وهو دفاع يدل على أن الصحابة كانوا يتمتعون بقسط وافر من حرية الاجتهاد، وأنهم كانوا لا يقفون جامدين أمام دلالة النص إذا حزب الأمر، اقتضى مرونة تحل ما يوقعهم فيه من إشكال. وقد تشعب الخلاف بينهم في دفاعهم حتى بلغ أقصى ما يبلغه خلاف، فلم يحمل أحداً منهم على الطعن في دين الآخر، ولم يرمه بالإلحاد الذي نترامى به في عصرنا في كل خلاف يحصل بيننا

ثم جاءت مرحلة الحكم فقال عثمان: أنا ولي الهرمزان وجفينة والجارية، وقد جعلتها دية. وفي رواية إنه قال لعلي حينما قال له اقتل عبيد الله: كيف أقتل رجلاً قتل أبوه أمس، لا افعل. ولكن هذا رجل من أهل الأرض، وأنا وليه أعفو عنه وأؤدي ديته. وقد اختلف العلماء في توجيه هذا الحكم الذي جاء مخالفاً لنص القصاص، فقال صاحب البدائع: أراد بقوله: أعفو عنه وأؤدي ديته، الصلح على الدية. وللحاكم أن يصالح على الدية إلا أنه لا يملك العفو، لأن القصاص حق المسلمين بدليل أن ميراثه لهم وأن الحاكم نائب عنهم في الإقامة. وفي العفو إسقاط حقهم أصلاً، وهذا لا يجوز. وله أن يصالح على الدية كما فعل عثمان رضي الله عنه. وذكر ابن حزم أن عثمان أخذ في ذلك بما ذهب إليه عمرو في دفاعه من إهدار القوَد عمن قتل في الجماعة بين موت إمام وولاية آخر. وقيل إن عثمان لم يحكم بذلك إلا بعد أن دعي القماذبان بن الهرمزان فأمكنه من عبيد الله ثم قال له: يا بني! هذا قاتل أبيك، وأنت أولى به منا، فاذهب فاقتله. فخرج به وما في الأرض أحد إلا معه؛ إلا أنهم يطلبون إليه فيه، فقال لهم: إلى قتله؟ قالوا نعم، وسبوا عبيد الله. فقال: أفلكم أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>