للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الشعر الوطني في الأندلس]

للأستاذ عبد الله كنون الحسني

كثر الشعر الوطني عند العرب في العصر الحديث كثرة عظيمة حتى طغى على غيره من الأغراض الشعرية، فأصبح لا يكاثره غرض آخر منها. وما ذلك إلا لأن البلاد العربية كلها قد مزق الاستعمار شملها، فأصبح أهلها خاضعين للنير الأجنبي يتشوقون ليوم الحرية تشوق الظمآن للماء البارد؛ فهم تارة يتغنون بالنصر الباهر الذي يكسبونه في موقعة ذلك اليوم، وتارة يستعرضون مواقف المجد والبطولة في تاريخهم الأدبي والحربي، فيثيرون بذلك شعور مواطنيهم للسعي إلى تقريب أمد ذلك اليوم الذي تشرق شمس الحرية فيه على ربوعهم فيعود إليها ما فقدته من العز والعظمة، وتارة ينعون على قومهم تخاذلهم وقعودهم عن حرب العدو المغير على أوطانهم، لافتين أنظارهم إلى ما يسومونهم من الخسف والعذاب، وما يبتزونه من أموالهم وخيرات بلادهم

وأخيراً، وعلى هذا المنوال، تكوَّن الشعر الوطني في العربية، وأصبح في المقام الأول من أغراضه الشعرية، فخلف بذلك المديح الذي كان يحتل هذا المقام من قبل

ونحن إذا رجعنا إلى ما قبل العصر الحديث من العصور المختلفة وقلبنا تطورات الشعر العربي في تلك العصور، لم نجد للشعر الوطني ذكراً ولا أثراً بين أقسام الشعر، ولم نعثر على ما يفيد أن هذه الظاهرة التي غلبت على الشعر العربي اليوم أمكنها في عصر من العصور أو طور من الأطوار أن تظهر، بَلْه أن تغلب على شعر شاعر من العرب أو من غير العرب فيمن نظم بالعربية، فتجرف غيرها من الظواهر وتكون هي المسيطرة على كثرة أشعار الشعراء كما هو الحال اليوم. ولذلك لما قال أبن الرومي أبياته المشهورة في هذا المعنى كانت عنقاءَ مُغرِب الشعر الوطني، فتداولتها الألسنة وأصبحت مثلاً يُضرب في طبيعة حب الناس لأوطانهم، وتلك الأبيات هي:

ولي وطن آليت ألا أبيعه ... وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا

وحبب أوطانَ الرجال إليهمُ ... مآرب قضَّاها الشباب هنالكا

إذا ذكروا أوطانهم ذكَّرتهمُ ... عهود الصبا فيها، فجنوا لذالكا

ولا نعني بالشعر الوطني ما كان من قبيل العواطف المجردة عن المعاني المذكورة كهذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>