في بعض الأوقات تكون قلوبنا عامرة بالعواطف، مثقلة بالاحساسات، تتدفق بألوان الشعور، وتحيا بفيض من الإشراق وتنبض بمختلف الأماني والأحلام. . . تحاول الانطلاق في أجواء فاتنة تضج بالأنغام والأضواء والشذى والعطر، لتنغمر في الوجود الذي يهيئ لها الإبداع والخلق والابتكار، إذا كان لها نصيب من حسن الذوق وبراعة الإنتاج. . .
يشعر القلب في مثل هذه الفترة أن الحياة تتفجر نوراً وجمالا وتتضوع أريجاً مسكراً، فيختلج ليلهم الأديب الفنان والشاعر الملهم والكاتب الموهوب أروع الصور الذهنية ويضفي على إنتاجهم روعة الصدق وحرارة الإخلاص وسمو العاطفة، فيحيا في كل أعمالهم وما يفكرون وينتجون ويبدعون، فيكون لأدبهم وكتاباتهم أثر في كل نفس وصدى في كل روح لأنها نتيجة شعور صادق وإيمان عميق بما يكتبون ويفكرون. . .
وفي بعض الأحيان قلوبنا وينتابها التبلد والخمول وتتيه في ظلمة قاسية من الجفاف والخواء ترقد فيها العواطف وتشيع الكآبة في النفس ويرين الحزن على القلب فلا يشعر بالنور ولا تتلاشى فيه الأضواء وتنعدم الأخيلة، فيحس أن الحياة مغمورة بالضباب فلا ترى العين ولا ينفذ الفكر ولا يومض الذهن وفي مثل هذا العدم يتوقف القلب عن الإيحاء الصادق ولا يوحي إلا بالتافه من الأمور والضحل من الأفكار.
في مثل هذه الحالات يجب على الأديب الصادق الذي يكتب بعاطفة وشعور يستمدهما من قلبه أن يريح قلمه إلى حين وإلا بدا عليه الإسفاف ظاهراً والاجترار ملموسا والتكلف واضحاً لأن نبضات قلبه يجب أن تبرز دائماً في كل عمل من أعماله الأدبية وإنتاجه الذهني فإذا فقدها خلت كتاباته من عنصرها الأساسي وهو (روح الكاتب).
يقول الأستاذ (توفيق الحكيم) في كتابه (زهرة العمر): (إن تربية ملكة العقل وحدها لا تكفي عند رجل الأدب والفن إن لم يصحبها إيحاء القلب وإلهام العاطفة وملكة التذوق. . .
وهو يشترط اشتراك القلب ووحيه في كل عمل من الأعمال الذهنية والإنتاج الفكري).
فالقلب ينبوع العواطف والأحاسيس منه تنبعث أحلى الأنغام وأسطع الأضواء وأعذب الألحان وأعمق الأفكار. وفيه تحيا كل القوى التي تسيطر على حياتنا واجعلها مشرقة