للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومضيئة حيناً وقاتمة مظلمة حيناً آخر. أما العقل فهو القوة التي تنظم ما يجول في القلب من تيارات وينبض فيه من عواطف وأحاسيس، وعمله كعمل الفنان أو المصور الذي يضفي بريشته وألوانه على الصور والألحان ما يزيدها عذوبة وجمالا ويعطيها جاذبية وإيحاء يكسبها الخلود.

يحسب بعض الناس أن الأدب لا يعدو كونه صناعة من الصناعات لا يحتاج إلى فهمه والنبوغ فيه كبير مشققة وعناء إلا ما يحتاجه صاحب المهنة لإتقان إحدى الصناعات اليدوية والبروز فيها والتفنن في إظهارها للناس بالمظهر الذي يجعلها أكثر اتقاناً وإغراء للشارين. كما يحسبه بعضهم تجارة تخضع لقاعدة العرض والطلب فيفهمون الأديب الناجح بمقدار ثروته وما تدر عليه كتاباته من مال وثراء فإذا أخفق في جلب الثروة ولم يتمكن من الربح المادي عدوه فاشلاً ونظروا إلى كتاباته نظرة عدم اهتمام كما ينظرون إلى بضاعة من البضاعات كسدت ولم يبق لها شار في السوق.

وبعضهم يرى الأديب الناجح من كثر إنتاجه وتعددت الصحف التي يكتب فيها والتي تنشر اسمه وتنوه بكتبه وآثاره غاضين النظر عن قيمة هذه الكتب والآثار الأدبية من وجهة الجمال والفن والإبداع، وما في أفكار صاحبها من ابتذال وفسولة.

وهؤلاء الذين فهموا الأدب والأديب هذا الفهم الخاطئ معذورون لأنهم لم يتوصلوا إلى فهم الحياة أو يتذوقوا ما في الوجود من أسرار وجمال وعواطف. لأنهم يكتبون ويفكرون ويحكمون، بعقولهم فقط تاركين قلوبهم هملاً لا تحيا في أعمالهم الأدبية وما يصدرونه من أحكام. كالآلات الميكانيكية تعمل وتنتج في كل وقت وفق خطة مرسومة لا تحيد عنها قيد شعرة.

وبسبب هذا الفهم المغلوط وانتشاره في الأدب العربي والأدباء العرب نشاهد كثيراً من الذين يكتبون ويؤلفون تبدو آثار الصنعة والتقليد وبرودة الموت في إنتاجهم لأنهم يكتبون بدون عاطفة وإحساس بهذا الخارق العظيم في الحياة وهو القلب ولزوم اشتراكه أو ظهوره في إنتاجهم وكل أعمالهم. وذلك لأنهم تعلموا الأدب ودرسوه كصنعة من الصناعات ومهنة من المهن لذلك جمد إحساسهم وماتت عواطفهم فجاء أدبهم صورة تنطق بالفقر من الإحساس والتصوير والابتكار.

<<  <  ج:
ص:  >  >>