وعلى شعر عدي بن زيد مسحة من حزن دفين. وقد يحار المرء في تعليل هذا الحزن والبحث عن أسبابه. ولا يجوز أن نقول إن هذا الحزن قد ألم بعدي بعد أن فسدت عليه الأيام وأوقع به النعمان وحبسه، لأنا نراه في شعره من قبل هذا، من يوم أن كان حراً طليقاً، صديقاً للملك ومحبوباً منه، فهو كان من قبل الوقيعة ومن بعد. وأظنك تذكر الأبيات التي أنشدها عدي النعمان حين خرجا بظاهرة الحيرة يستريضان، والتي وعظه بها، وتنصر النعمان بسببها، وتنصر أبناؤه وأهل بيته وبنوا البيع والأديار. إن أكثرشعر عدي موسوم بالأشجان والأحزان، ولا تجد غير القليل منه طليقاً من إسارها. ومن هذا القليل الأبيات التي ذكرتها لك يتغزل فيها عدي بهند ويشبب بها. ومنه أيضاً:
يا لبيني أوقدي النارا ... إن من تهوين قد حارا
رب نار بت أرمقها ... تقضم الهندي والغارا
عندها ظبي يؤرثها ... عاقد في الجيد تقصارا
ويقول في بعض أخلاق نفسه:
ألا يا ربما عز ... خليلي فتهاونت
ولو شئت على مقد ... رة مني لعاقبت
ولكن سرني أن يع ... لموا قدري فأقلعت
ألا. لا فسألوا الفتي ... ة ما قالوا وقد قمت
ولعل من بواعث هذا الحزن أن عدياً قد نشأ في غير بلاده، فقد كان منزل سيده أيوب بن محروف باليمامة في بني امرئ القيس بن زيد مناة، فأصاب دماً في قومه، فهرب ولحق بالحيرة.
ولعل من بواعثه أن زيد بن أيوب قتل في هذا الدم الذي أصابه أبوه في بني امرئ القيس، فقد قتله رجل منهم بعد أن تعرف عليه وأقتص نسبه ومنزله.
ولعل من بواعثه ما كان يراه لدى الملوك - وأنت تعلم أنه عمل لكسرى، وأنه زار قيصر،