للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حبُّها. . .

للأستاذ السيد محمد زيارة

عرفتها شاعرة في عينها الشعر؛ وكأنما خلقها الله بهاتين العينين ليودع فيهما من أسرار الغيب، ويصور بهما من معاني الخلود معنى الفن. . . فجاءتا هكذا ساحرتين لا يُفهم من أي نوع سحرهما، ولا يدرك إلى أي حد تأثيرهما؛ وغاية ما يفهم أو يدرك منها انهما حين تلمحان تجرحان، وحيث تنظران تأسران. . .

ويبدو فمها كأنه جمرة صغيرة. . . .

ويُرى خداها كأن على كل منهما وردة في لهب. . .

وعرفتها في كل هذا وبكل هذا. . . عرفتها في قصة حب أولها معروف وآخرها مجهول

كانت تغني، ووقع بصري عليها لأول مرة فلا أدري ما الذي نزل منها على نفسي فجال فيها ثم استقرَّ فيها فما ذهب عنها وما هو ذاهب أبداً!! إلا أنني أذكر. . . أذكر جيداً أنها كانت ترسل الأغاني من فمها ومن عينيها، وأنني كنت أسمع الأغاني بأذني وبقلبي

والله ما أحلاها وقد بدت في ثوبها الأسود الهفاف، فلا يظهر منها إلا وجه كأنه حلم بالوصل في منام عاشق محروم، ويدان كأنهما زهرتان غضّتان أسفرتا من جنة محجوبة

وقد أبى صدرها إلا أن يتيه ويشمخ، وعز عليه أن يحد الرداء من كبريائه فنهض يتحرر، وبدا كأن بينه وبين الرداء معركة. . .

وظهر جيدها فوق صدرها كشعاع الصبح يشرق من أعلى جبل. . .

ونظرت إليها فرأيتها كلها فناً منفرداً في كل جزء منه فن منفرد؛ ثم نظرت إليها فرأيتها نوراً تتشعب منه أنوار، ثم هممت أنظر إليها فريع البصر ورُدّت النظرة إلى الفؤاد سهماً

ثم تنفشت كالبلبل المتندي، ثم نظرت إلى الحشد ثلاث نظرات وقعت إحداها عليّ فملت أتحاشاها؛ ولكنها سبقت إلى القلب فإذا القلب عاصفة في وسط عاصفة؛ ثم راحت تغني فأرسلت من بين شفتيها صوتاً فيه شذىً جعلني أعتقد أن للورد تغريداً وأن هذا هو تغريد الورد، وأعتقد أن سراباً من البلابل لو أجتمع على أن يأتي بمثل سحرها لما أتى إلا بما يثبت أنها ساحرة معجزة

وأحسست أنها كلما زادت في غنائها آهة أو لفظة ربطت بين روحي وبينها آصرة، وأنها

<<  <  ج:
ص:  >  >>