كلما أصابتني بنظرة مدت بين قلبي وبينها جسراً. . . ثم أحسست أنها قربت مني حتى صارت جزءاً مني فيه روحي وقلبي وعقلي؛ ولكني بعد ذلك لم أحسب إلا أنني خبلت، ولم أدرك أن هذا هو حبها يدخل من عيني ومن أذني. . .
وانتهيت من ساعتها ثملاً لأتم ليلتها أرقاً وبي من الجنون مس في القلب يكاد يبلغ إلى مس في العقل. . . هو الحب. . .
هو الحب الوليد الجبار ولد ثم أيفع وشب شبابه في ساعة. . .
هو الحب خلق في عينيها ليعيش في قلبي. . .
هو الحب جاء يعلن أنه الحب بعذابه وسهره، وأنه سيكون عقدة بعد عقدة، ثم لا يكون إلا عقدة بعد عقدة. . .
هو سهمها جاء قاسياً ليقتل ثم اشتدت قسوته فلم يقتل؛ وإنما جرح وأدمى ليظل الجرح جرحاً ويظل الألم ألماً. . . يا ليته قتل. . .
ومرّ عام في ليلة، وآه منها ليلة قاسية وسعت كل دقيقة من دقائقها هاجساً من هواجسي فبتُّ أصبو بصبوة قلبي، ثم أحار بنزاع عقلي، ثم أغفي بعين أحلامي، واقطع مدى الليل بين الصبوة في جهلها وغرورها، والحيرة في شدتها وعسرها، والأحلام في جلوتها وروائها؛ وما أستطيع أن أخرج من هذا كله إلا باليأس منها حبيبة محبة ولو بعد حين. . .
ما كان لي أن أحبها وهي ذات جاه، ولها سلطان وحاشية، ويسعى إلى مجلسها من علية القوم فئة يبتغون الأنس والسمر، وهي تدلّ عليهم دلال حسنها ودلال عفتها، ثم تتدلى إليهم زهرة محصنة يستنشي أرجها ولا تقطف ولا تمس.
وما كان سهلاً على أن أيأس من حبها في أول حبها ما دامت في باطني عين لا تنظر إلا إلى أعلى فلا تبصر إلا ما هو أعلى، ولا مستحيل عندها ولا صعب. ما كان سهلاً علي أن أيأس من حبها وعين خيالي كالمنظار تقرّب لعيني رأسي بعيدها وتهوّن مسافتها.
وطلع الفجر يتثاقل كأنه لا يريد أن يطلع. . . طلع وأنا بين شيطانين شيطانها الفاتن وشيطاني المفتون، كلاهما يدعوني إليها بينا أتخوفها على نفسي ولا أبتغي إليها الوسيلة؛ فمثل هذه التي ألفت تهافت العشاق، وتغنَّت بآلام المدنفين، لا يقع في قلبها الحب إلا بمعجزة. . .