ما أضيع الأدب في وزارة المعارف، وما أسرع النسيان إلينا حين يمضي النهار بالأدباء الراحلين ممن خدموا الثقافة القومية، ودعموا أركانها. أقول هذا حين أذكر تلك النهضة التأليفية التي بزغت سنة ١٩٣٨، فنظمت الوزارة مسابقات أدبية رفيعة أكرمت فيها الفائزين ماليا، ووعدت بطبع مؤلفاتهم التي فازوا بها: ولكن مضت الأيام والسنون، وتقلبت العهود، وما تزال هذه الكتب كالأطياف الباهتة في بقايا ذاكرة وفية.
حقا، لقد مضى أصحابها إلى دار البقاء، وخجل أهلوهم من الانتصاف للأموات من الأحياء، وقد طوتهم الأيام بأرزائها، ولكنا نتساءل: إلى متى تسير الوزارة، وزارة العلم الأدب، على ظهر سلحفاة، كلما اتصل الموضوع بالشؤون العلمية والأدبية؟ ولماذا يجازي المرحوم فخري أبو السعود بوأد كتابيه القيمين عن (الخلافة)(والبارودي)؟ وما جريرة الأدب المعاصر إذا حرم من رجاله السابقين؟
فلتحمل الرسالة الغراء هذه الصرخة إلى وزارة المعارف، لعلها تعمل على أحياء ذكرى النابغين الراحلين، وتفي بما وعدت من طبع تراثهم الممتاز، فهذا حقهم الشرعي عليها، تؤاخذ على التفريط فيه أمام محكمة التاريخ، وتنال الحمد والثناء على أدائه، وذلك لا سواه هو التقدير الباقي، والتخليد الكريم لأهل الأدب أحياء وأمواتا، أما إذا تذرعت بمعاذير رسمية، فلن يعفيها من التبعة الأدبية يواقظ، ولا أقل من تسليم هذه الكتب إلى إحدى دور النشر لإذاعتها والانتفاع بها، وهذا هو العمل الإيجابي الحاسم الذي نطالب به وزارة المعارف اليوم بعد الذي مضى، وإلا فإنه يحق لأهل الثقافة أن يتقدموا باستجواب محرج بشأن هذه الكتب التي لا ندري إن كانت موجودة فنبعثها أو موءودة فنحتسبها.
ونرجو مخلصين ألا يكون قد أهيل عليها تراب النسيان في زحمة الأحداث فذهبت مع الريح، ورحم الله فخري أبو السعود: نعوا إليه في حياته فلذتين من كبده، حين ابتلع البحر المحيط ولديه الصغيرين وهما في الباخرة الهاوية بأطفال الإنجليز إلى أمريكا، فمن ينعى إليه في مماته فلذتين من عقله، وقد شيع الجحود والإهمال كتابيه الكريمين إلى مدافن الأدب في وزارة المعارف. . عظم الله أجركم أيها الأدباء.