تفضل الأستاذ الحكيم فأهدى إلي كتابه (يوميات نائب في الأرياف) وكنت قد قرأت فصولا في مجلة الرواية؛ بيد أني عدت فتلوته وقد انتظمه مجلد واحد فألفيتني أكثر استمتاعاً به وأكبر محبة له ولصاحبه.
المؤلف الفاضل غني بشهرته عن التعريف، عرفه جمهور القراء وأحبوه في (أهل الكهف) ووثقوا من مواهبه الفنية في تلك القصة الرائعة وفي أختها (شهرزاد) وزادتهم مؤلفاته بعد ذلك معرفة به، وارتياحاً إلى فنه، وابتهاجاً بتوفيقه. والحق عندي أن توفيق الحكيم قد صار في (القصة المصرية) أحد أعلامها الأفذاذ، بل لقد خطا بها وهي بعد في طفولتها خطوات سريعة وثيقة حتى لقد غدا في هذه الناحية (كعبد الوهاب) في الموسيقى وكالمرحوم (مختار) في فن النحت، وحق لمصر أن تفخر به كما تفخر بهما. ولست أعني بالإشارة إلى (القصة المصرية) تبريزه فيها وحدها فلقد كتب له النجاح في ذلك الفن في أوسع حدوده ورأيناه موهوباً كما يقول أهل الفن كما رأيناه يجمع إلى موهبته ثقافة من الطراز الأول. والقصصي يخلق أولاً وفيه القصة: في نفسه أسلوبها وروحها، وفي رأسه الميل الشديد إلى صوغها وإعلانها. وقل مثل هذا عن كل ذي فن.
والكتاب الذي أحدثك عنه ضرب من القصة إذ تجاوزنا عن أصولها المصطلح عليها فهو كما ترى اسمه (يوميات). غير أن الأستاذ قد ألبسه ثوب القصة في مهارة عجيبة تعد في ذاتها ناحية من نواحي نبوغه في هذا الفن. فقد جعل من (ريم) ومن حادثة مقتل (قمر الدولة) سلكا ينتظم أجزاءها ويتسلط على القارئ من أول الكتاب إلى أخره؛ ويمكنك أن تعتبرها نوعاً من القصص الإصلاحي على نحو ما كان يجري عليه دكنز في فنه وما كان