للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتوخاه منه، وهنا نرى من الأستاذ الحكيم مسلكا جديداً في القصص لم ينزل به عن مستواه في مسلكه السالف في أهل الكهف وشهرزاد، تلك الناحية الفلسفية التي حلق بها في أفق عال فسيح. أجل رأينا في هذا الكتاب من مستلزمات الفن ومن آياته ما يعجب ويطرب! رأينا أولاً عنصر التشويق كما تجلى في خلق حادثة القتل ثم إخفاء القاتل والبحث عنه، وكما يتجلى في شكل أدق وأجمل من ذلك الوصف الشعري الجميل الفائق لتلك الفتاة الريفية (ريم) ذلك الوصف الذي عطف عليها القلوب، وجذب إليها النفوس، وأكسب القصة مسحة من الجمال السامي كانت تظهر فيه نظرات الأستاذ الفلسفية؛ ورأينا كذلك في القصة عنصر الفكاهة ناضجاً حلواً تسيغه الأفئدة وتعلق به، كما رأينا دقة الوصف وشموله في غير التواء أو تعقيد؛ ورأينا خبرة الأستاذ بالوسط الذي يكتب عنه تلك الخبرة المدهشة التي لم يدق عنها معرفة العبارات المحلية التي كان يجريها على ألسنة أشخاصه على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم وفصائلهم. هذا إلى وصف الأشخاص أنفسهم حتى لكأنك تراهم وتسمع إليهم. وهاأنذا أحد أبناء الريف أشهد ما وجدت في وصفه شذوذاً ولا لمحت فيه مسحة من خيال. ورأينا في القصة إلى جانب ذلك كله النقد الصحيح الذي يرضيك؛ نعم قد يحسب بعض القراء ممن لم يروا مثل هؤلاء الأشخاص الذين وصفهم الأستاذ، كالقاضي الأهلي والقاضي الشرعي مثلاً أن عنصر (الكاريكاتير) زائد في بعض أوصافه، ولكن الذين رأوا في الحياة مثل هؤلاء شهدوا له بالصدق، وأعجبوا بطريقته وطلبوا منها المزيد

فوق هذا كله أو قل بهذا كله تحققت للكتاب ناحية فريدة وهو أنه سجل لعصر من عصورنا، فيه كثير من ألوان حياتنا في بيئة من بيئاتنا، سوف تقرأه الأجيال المقبلة وترى فيه من نواحي اللذة ما يحببه إليها ويكسبه بذلك طول الحياة. ولن أفرغ من هذه العجلة دون أن أطلب ملحاً من الأستاذ الحكيم أن يجري قلمه على هذا النحو في نواحي حياتنا الأخرى فيرينا يومياته في بيئة الموظفين مثلاً في (الدواوين) أو في غيرها من الجهات فما أحوجنا إلى هذا النوع من القصص يجري به قلم فنان.

أنتقل بالقارئ بعد ذلك إلى الكتاب الثاني (محاورات أفلاطون) وقد أضطلع بنقله إلى العربية الأستاذ زكي نجيب محمود ونشرته لجنتنا المباركة الناهضة (لجنة التأليف والترجمة والنشر)

<<  <  ج:
ص:  >  >>