للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٣ - فن القيادة]

للكاتب الفرنسي أندريه موروا

بقلم الأستاذ محمد أديب العامري

وفي الختام لابد للزعيم من أن يجمع في حسبانه بين والتقاليد والعادات. اجل إن الحياة عنده والبقاء فضيلة، ولكنه يبني بناء المستقبل من مواد الماضي المتينة، فيسكبها في قوالب تخضع لحاجات الحاضر، لكنه لا ينبذها. ولقد أوضح (كبلنغ) في قصة رائعة كيف يعاقب آلهة النهر بنائي الجسور الذين يخرجون على القوانين القديمة في الأعمال. إننا نحن رجال القرن العشرين المسلحون تسليحا عجيبا للتغلب على العالم لكن للعالم أساليب شنيعة في الانتقام لنفسه، ولا يسهل علينا دائما أن نبصر جرائر أعمالنا. ففي الثورة مثلا يقوض الناس وسائل الدفاع المعهودة في البلاد غير أن هذا الرأي لا ينكشف إلا في النهاية. فالثورة الفرنسية انتهت بعهد الرجمة إلى الماضي أما الزعيم الحكيم فلا ينسى أن ما ينشره العراف لا تلتئم أطرافه بعد أن يكون السحر قد فعل أفاعيله.

ومهما يكن مركز الزعيم، وزيرا أو مديرا، أو رئيس مكتب، أو بناء، فأنه يتصل بتابعيه بطرق ثلاث: بالأوامر التي يصدرها والتقارير التي يتلقاها والتفتيش الذي يجربه. أما الأمر فيجب أن يكون واضحا، إن التخيل والتفكر يمكن أن يكون غامضا، والخطة التي لم تنفذ بعد يمكن أن تحمل في تضاعيفها آثار الرؤيا. أما الأمر فيجب أن يكون واضح المعالم، وجميع الأوامر يمكن ان يساء فهمها. لكن الأمر الغامض لا سبيل إلى فهمه قط. قال (نابليون): (إذا أردت أن تقوم بعمل قياما حسنا فأده بنفسك) ولكن هذا غير صحيح. أما القائد الحصيف فيعترف بأن الذين يدركون الأمور من الناس قليل، وأن جميعهم على وجه التقريب ينسون، فليس من الممكن إذن أن يقنع الآمر بإصدار الأمر، وإنما يجب أن يراقب تنفيذه وأن يتبصر عند إصدار الأمر بأي سبب يمكن أن يعوق تنفيذه، ولا جد لبلادة الناس ولا لسوء الطالع، ولذا يتوقع الزعيم دائما حدوث ما لا ينتظر. والزعيم الذي يسعى للحيلولة دون عوامل الخطأ ويحتاط لنقاط الضعف في الخطط؛ أقوى على تنفيذ ما يريد عندما يواجهه الناس بغبائهما وتعارضه الصدف السيئة، من زعيم آخر لا يحتاط لهذه الأمور.

<<  <  ج:
ص:  >  >>