قرأت في الرسالة الغراء تلك الكلمة القيمة التي يشكر فيها الأستاذ الزيات للاستاذ توفيق الحكيم ترشيحه إياه لكرسي (شوقي) واعتذاره عن هذا المركز الذي يحد من سلطانه. ويقلل من نشاطه. . . وقد أتاحت لي هذه الفرصة الطيبة أن أقارن - في ذهني - بين الأديب المدرس، والأديب الحر، وربما بدا لكثيرين أن يقولوا إنه لا معنى لهذه المقابلة، لأن الأديب في الحالين أديب من غير شك، وأدبه مقيداً بأغلال الوظيفة، أدبه طليقاً حراً. . . وهو كلام إنما يصح إذا تصورنا أن الأدب ألفاظ وجمل، يتنوق صاحبها في رصفها، ويتأنق في صياغتها ويتعمل في تدربيجها. أما إذا تصورنا أنه إلى جانب ذلك أفكار تتسامى ومعان تخلب وتروع، وأن العبارات إذا لم تكن مع الغرض النبيل، اشبه بالمرأة الحسناء في المنبت السوء. . . خصوصاً في عصرنا الذي نعيش فيه، حيث صار الموظف موظف حكومة، لا موظف (مصلحة) أعني أنه يتحتم عليه أن يكون أدبه في حدود اللون الذي تتلون به (الوزارة القائمة) وكم رأينا أدباء قيد (حب العيش) أدبهم بهذا القيد فسقطوا من الأنظار، ولم يكن أدبهم محل أعتبار. . . على أن المدرس إذا لم يكن في (الفصل) كالممثل الذي يستجلب رضا الجمهور، ويستدر إعجاب المتفرجين، لا تقوم له قائمة، وفي سبيل ذلك لا يبالي بسخط الفن، ولا بإغضاب الحقيقة (المرة) وهذا التهريج إنما يروج بمقدار ثم لا يلبث القوم أن يمجوه تمشياً مع قاعدة البقاء للأصلح (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) والاستاذ الزيات في الرعيل الأول من شيوخ الأدب، لا لأنه كاتب فحل، أديب ممتاز، ولكن لأنه يستشعر الحرية فيما يملي عليه لسانه، ويهجس به وجدانه، والشباب يحفظ له الآيات البينات في النقد، والتعليق على الحوادث والأخبار. . . وافتتاحية في (الرسالة) كفاتحة الكتاب نقرؤها للحفظ والتيمن، وإن كان في ذلك كله مقلا فعذره أننا في عهد التموين بالبطاقة ولكل شئ غاية، ولكل بداية نهاية.