نحن جديرون بأن نعنى بمآثر الشاعرات العربيات من بنات قومنا في القديم والحديث. فبهذه العناية نؤدي بعض ما لهن من الحق علينا في مضمار الشعر واللغة، وضربهن بسهم وافر في إظهار شعورهن نحو لغتهن وبنات أمتهن، ومنهن الحديثات ممن تتبعن خطط سابقاتهن فنسجن نسيجاً يليق بنا أن نطلع القراء ما يتيسر إيراده في هذه العجالة فنحفظ لهن ذكراً باقياً حافزاً لغيرهن من النساء أن يسلكن هذا المسلك الظريف فيكن أوتاراً موسيقية لأبناء الجبل وبناته. وهذه الشاعرة وردة بنت الشيخ ناصيف اليازجي من شاعرات أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. كان أكثر شعرها رثاء وذلك للنكبات التي حلت بهذه الشاعرة المسكينة فانهالت عليها كالسهام لأنها نكبت بكل اخوتها وأختها وأبيها وابنتها وزوجها. فبكتهم الخنساء على اخوتها وأولادها، وحذت حذوها في نسق الرثاء وذكرتها مراراً في قصائدها المملوءة من النواح، وهذا ديوانها (حديقة الورد) طافحاً بالمراثي والمآتم والدموع المسكوبة على من فقدتهن من أفراد أسرتها الأعلام، وغيرهم من الأفاضل الكرام.
أما سيرتها: فقد ولدت في كفر شيحا في لبنان في العشرين من شهر يناير من سنة ١٨٣٨م (١٢٥٣هـ) ثم انتقل والدها إلى بيروت وأدخلها مدرسة البنات للمرسلين الأمريكيين. ولما بلغت الثانية عشرة لقنها والدها أصول الصرف والنحو والبيان والعروض فنبغت فيها، ورآها والدها مطبوعة على الشعر فرشحها له فنظمت عدة قصائد وهي لم تناهز الرابعة عشرة، ثم أخذت تكثر من النظم والرثاء والمديح وغيرهما، وقد أجادت في الرثاء كما قلنا لما منيت به أسرتها من المصائب الفاجعة. وقد اقترنت بفرنسيس شمعون سنة ١٨٦٦م وصرفت أكبر قسم من حياتنا في مصر في مدينة الإسكندرية، وتوفيت فيها في الثامن والعشرين من شهر يناير سنة ١٩٢٤م (١٣٤٢هـ)، وتعرف بأنها أول امرأة نبعت في الأدب العربي في القرن التاسع عشر، وتظهر كتاباتها مقدرة عظيمة في طريقة التركيب على نمط والدها، ومحتويات أشعارها قصائد تنطق بظروف ذات علاقة متينة بتاريخ عائلة