السفارات الخلافية والسلطانية وعلائق الإسلام والنصرانية
للأستاذ محمد عبد الله عنان
تتمة
لما تولى المعتصم الخلافة عقب وفاة أخيه المأمون، حاول قيصر قسطنطينية الإمبراطور تيوفيلوس (توفيل) أن يعقد الهدنة والصلح مع المسلمين، فأوفد إلى المعتصم سفارة على رأسها يوحنا النحوي. وكان يوحنا من أعظم علماء عصره، يجيد العربية، فقصد إلى بغداد يحمل أنفس الهدايا والتحف، وأنزل بأحد قصور الخلافة؛ وأدهش البلاط برائع بذخه، وما نثر حوله من مظاهر الفخامة والترف. وتعرض لنا الرواية البيزنطية قصصاً عجيبة عن بذخ يوحنا وفخامته. وكان لهذه السفارة غاية مزدوجة: الأولى أن تعقد بين الخليفة والقيصر معاهدة سلام دائم؛ والثانية أن يعمل السفير على إقناع منويل، وهو قائد بيزنطي يلوذ ببلاط الخليفة، بالعودة إلى قسطنطينية. فأفلح السفير في تحقيق الثانية، ولم يفلح في تحقيق الأولى؛ ولكن المعتصم رأى أن يجامل القيصر بالإفراج عن مائة من الأسرى النصارى. وعلى أثر هذا الفشل في عقد الصلح، زحف الإمبراطور على أراضى المسلمين، وغزا زبطرة من معاقل الحدود الإسلامية، وكان الروم يزعمون أنها مسقط رأس المعتصم؛ فاستولى عليها واستباحها وأنزل بسكانها المسلمين رائع الإثم والسفك؛ وتروي التواريخ البيزنطية أن المعتصم لما علم بزحف الروم على زبطرة، أرسل إلى الإمبراطور سفارة يرجوه فيها أن يفر المدينة العيث والسفك فأبى تيوفيلوس وارتكب فيها ما ارتكب، وهدمها حتى صارت قاعا صفصفاً
عندئذ قرر المعتصم الحرب وأقسم بالانتقام وسار إلى أراضي الروم في جيش ضخم، وقصد إلى عمورية (أموريوم) أجل وأمنع مدن الروم في آسيا الصغرى؛ فهاجمها مراراً، ولكن الروم دافعوا عنها دفاعاً شديداً، فضرب حولها الحصار، واعتزم ألا يغادرها حتى تسقط في يده. عندئذ اضطر الإمبراطور أن يسعى إلى طلب الصلح، وأرسل بدوره سفارة إلى المعتصم، على يد أسقف عمورية وكبرائها، فأعلن المعتصم أنه لن يعقد الصلح، ولن