يمنح شروطاً للتسليم، وأن الانتقام هو غايته واعتقل السفراء، فاستمر الحصار خمسة وخمسين يوماً، ثم سقطت المدينة في يد المسلمين، وأبدى المعتصم، كما أبدى تيوفيلوس من قبل منتهى الشدة والقسوة ففتك بالنصارى فتكاً ذريعاً، واسترق الناجون من الموت، وأحرقت عمورية حتى غدت أطلالاً، وهدمت حصونها وأسوارها؛ ثم أطلق المعتصم سفراء الإمبراطور بعد أن احتجزهم ليشهدوا ظفره، وردهم إليه بهذا الجواب! (نبئوا سيدكم بأني أديت دين زبطرة) وكان ذلك سنة ٢٢٣ هـ (٨٣٨م)
واستمر الصراع وتبادل الغزو بين الدولة العباسية والدولة البيزنطية مدى قرن آخر. وفي عهد الإمبراطور قسطنطين السابع الذي حكم طفلاً تحت وصاية أمه الإمبراطورة زوي كاربوبسينا، أرسل بلاط قسطنطينية إلى الخليفة المقتدر بالله سفارة في طلب المهادنة وتنظيم الفداء. وتصف لنا الرواية الإسلامية حوادث هذه السفارة، فتقول لنا إن سفيري ملك الروم وصلا إلى بغداد في المحرم سنة ٣٠٥هـ (٩١٧م)، فاستقبلا بترحاب وإكرام، ودخلا على الوزير في أفخم حفل ونظام، وقد اصطف حوله الجند في أتم سلاح وزينة، وأديا رسالة قيصر، ثم أخذا إلى الخليفة المقتدر فاستقبلهما ومن حوله الوزراء والقادة والجند في أروع زينة وأبهة وأديا رسالتهما، فأجابهما الخليفة إلى ما طلب قيصر من تنظيم الفداء، وسير خادمه مؤنساً ليحضر الفداء وعينه أميراً على كل بلد يدخله فيتصرف فيه على ما يريد حتى يغادره، وسير معه قوة من الجند، وزوده بمائة ألف وعشرين ألف دينار لافتداء الأسرى المسلمين، فقام مؤنس بالمهمة وافتدى آلافاً من الأسرى وكانت مسألة الفداء مبعث طائفة من السفرات التي تبودلت بين الدولتين خلال القرن الثالث الهجري، وطائفة من المعاهدات السلمية التي عقدت بينهما
وفي عهد الإمبراطورة زوى أيضاً بعث حاكم كلابريا (قلوريه) البيزنطي رسله إلى خليفة أفريقية الفاطمي (عبيد الله الشيعي)؛ وعقدت بين الفريقين معاهدة تعهدت بها الحكومة البيزنطية أن تؤدي إلى الخليفة الفاطمي جزية سنوية كبيرة، نظير تعهده بحمل أمراء صقلية المسلمين على وقف الحرب والغزوات المستمرة في قلورية، واستمرت هذه المعاهدة مدى حين. وان كانت الجزية قد أنقصت خلال ذلك
ولنترك الآن علائق الدولتين العباسية والبيزنطية لنتحدث عن نواح أخرى من علائق