قلت لها: أن قلبي وقلبك يتجاليان في هذه الساعة ويتباكيان؛ أتدرين ماذا يقول لك قلبي؟
إنه ليقول عني: أعزز علي بأن تكوني ههنا، وأن تتألف منك هذه القصة التي تبدأ بالوصمة وتنتهي بالاستخذاء فتنطلق المرأة في متالفها ومهاويها ليبلغ بها القدر ما هو بالغ؛ وليس إلا الضرورة وسطوتها بها، والإذلال ومهانته لها، والاجتماع وتهكمه عليها، والابتذال واستعباده إياها. ومهما يأت في القصة من معناً فليس فيها معنى الشرف؛ ومهما يكن من موقف فليس فيها موقف الحياء؛ ومهما يجر من كلام فليس فيها كلمة الزوجة. وأعزز علي بأن أرى المصباح الجميل المشبوب الذي وضع ليضيء ما حوله، قد أنقلب فجعل يحرق ما حوله؛ وكان يتلألأ ويتوقد، فارتد يتسعر ويتضرم ويجني على ما يتصل به وسقط بذلك سقطة حمراء. . . .
أفتدرين ماذا يقول لي قلبك؟
إنه يقول عنك: يا بؤسنا من نساء! لقد وضعنا وضعاً مقلوباً فلا تستقيم الإنسانية معنا أبداً، وكل شيء منقلب لنا متنكر؛ والشفقة علينا تنقلب من تلقاء نفسها تهكماً بنا، فنبكي من شفقة بعض الناس كما نبكي من ازدراء بعض الناس. يا بؤسنا من نساء!
قالت صدقت، وكذلك تنقلب أسباب الحياة معنا أسباباً للمرض والموت، فاليقظة ليس لها عندنا النهار بل الليل، والصحو لا يكون فينا بالوعي بل بالسكر، والراحة لا تكون لنا في السكون بل والانفراد في الاجتماع والتبذل؛ وما يرد العيش على امرأة من واجباتها السهر، والسكرة والعربدة، والتبذل، وتدريب الطباع بالوقاحة، وتضرية النفس على الاستغواء والتصدي بالجمال للكسب من رذائل الفساق وأمراضهم، والتعرض لمعروفهم بأساليب أخرها الهوان والمذلة، واستماحتهم بأساليب أولها الخداع والمكر؟
إن حياةً هذه هي واجباتها، لا يكون البكاء والهم إلا من طبيعية من يحياها، وكثيراً ما نعالج الضحك لنفتح لأنفسنا طرقاً تتهارب فيها معاني البكاء؛ فإذا أثقلنا الهم وجل عن الضحك وعجزنا عن تكلف السرور، ختلنا العقل نفسه بالخمر؛ فما تسكر المرأة منا للسكر أو النشوة، بل للنسيان، وللقدرة على المرح والضحك، ولأمداد محاسنها بالأخلاق الفاجرة من