لقد فقد زكي مبارك كل حق كان له في أن يعرض لكتاب الله سبحانه بفهم أو برأي بعد أن ثبت عليه ما ثبت من إنكاره إعجاز القرآن، وقوله بأن القرآن كتاب محمد، وتعديه هذا وذاك إلى القول بمذهب وحدة الوجود الذي هو في الحقيقة إنكار للخالق بإجلاله في المخلوق، أو بإجلال المخلوق فيه (سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً)
إن الذي يعتقد في القرآن عقيدة تضاد عقيدة المسلمين لابد متأثر بما يعتقد حين يعرض للقرآن الكريم يبحث أو يفهم. فالذي يقول مثل زكي مبارك بأن القرآن كلام محمد مضطر أن يحمل القرآن على ما ينتظر أن يقوله بشر في العصر الذي عاش فيه النبي. أما المعاني التي تدل دلالة قاطعة على أن القرآن من عند الله لاستحالتها على العقل البشري في العصر الذي نزل فيه القرآن، فهي عند مثل زكي مبارك ممتنعة عقلاً أن تكون من معاني القرآن. هذا هو السر في إنه دائما يحمل القرآن على ما يظن أن الناس كانوا يفهمونه أو يعتقدونه في العصر الذي عاش فيه رسول الإسلام كما يسعى النبي عليه الصلاة والسلام
حتى الوحي الذي كان ينزل على النبي هو زكي مبارك كهذا الإلهام الذي يزعم إنه يلهمه، أو أن الشعراء والمفكرين يلهمونه، ولو كان إلهاماً أسخف المعاني وأرذلها كما فعل في مقاله الذي قلت إنه عاد فيه إلى التعرض للقرآن بما لا يليق فانتقم الله منه في نفس المقال، وقال هو إنه رجع إلى المقال فلم يجد فيه لفظة واحدة تدل على إنه يخاصم القرآن
ولقد خاصم زكي مبارك القرآن الكريم في موضعين من مقاله ذلك، يصرف النظر عن موضوعه الذي كله خصومة لما جاء به القرآن ودعا إليه
أما الموضع الأول، فحين أنطق روح صاحبته بقولها له:
(لقد أوحينا إليك)؛ ووضعه ذلك هكذا بين أقواس ليدل على إنها كلمات مقتبسات وليست من إنشائه. واستعماله هذه الكلمات في المقام الذي وصف فيه ما كان بينه وبين صاحبته فحة وخصومة للقرآن. إنه يعلم أن (أوحينا إليك) و (لقد أوحينا) كلمات لا توجد في العربية في غير القرآن. إنها من أخص الكلمات القرآنية وأفخمها وأشرفها، لأن ضمير المتكلم فيها هو في القرآن ضمير الجلالة، وضمير المخاطب فيها هو في القرآن ضمير الرسالة.